- بلادى توداى
- 1:32 ص
- تحليلات هامة
- لا توجد تعليقات
جاك جولدستون
إعداد - رانيا عبد الجيد "لن يعتمد أمن العالم في القرن الحادي والعشرين على الأبعاد المادية فقط مثل مستوى النمو الاقتصادي والقوة العسكرية، بل إن الأبعاد الديموجرافية والتي تتعلق بالتركيبة السكانية حول العالم سيكون لها التأثير الأكبر، إذ من شأنها أن تحدد أي الدول التي ستشهد "مرحلة شيخوخة سكانية" وأيها سيكون الأكثر شبابا كنسبة من السكان؛ وهو ما يلقي بظلاله على طبيعة وحجم القوة العاملة ومن ثم مستوى النمو الاقتصادي".
هذه هي خلاصة الدراسة التي نشرتها مجلة الشئون الخارجية الأمريكية Foreign Affairs تحت عنوان "القنبلة السكانية الجديدة"، والتي أشارت إلى أن العالم سيشهد أربعة تحولات ديموجرافية كبرى في العقود القادمة من شأنها التأثير على خريطة القوة في العالم.
وتوقعت الدراسة أن تشهد الدول الغربية تراجعا كبيرا على المستوى الديموجرافي والاقتصادي بشكل غير مسبوق في تاريخها، في مقابل صعود القوة الديموجرافية لدول العالم النامي، وخاصة دول العالم الإسلامي.
خريطة ديموجرافية جديدة
ولا يعد الاهتمام بالقضية السكانية وليد العقد الأخير، فهناك دراسات قبل ذلك بكثير تناولت قضية الزيادة السكانية والهواجس والمخاوف من الفجوة التي ستنشأ نتيجة اختلال التوازن بين معدلات النمو السكاني ومعدلات إنتاج الغذاء. ولعل من أبرز هذه الدراسات دراسة "بول إيرلتس"، منذ ما يقرب من 42 عاما مضت، والتي تنبأ فيها بحدوث مجاعة ستجتاح العالم في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
غير أن نبوءة إيرلتس قد ثبت خطؤها نتيجة الاختراعات العلمية التي شهدها العالم وأدت إلى حدوث ثورة كبرى في المجال الزراعي، فيما عرف بعد ذلك بـ "الثورة الخضراء"، ونتيجة أيضا لتبني منظومة تنظيم الأسرة، على نطاق واسع، للتقليل من معدلات الزيادة السكانية.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن التعداد الحالي لسكان العالم هو 6.83 بليون نسمة، ومن المتوقع أن يرتفع ليصل إلى 9.15 بليون نسمة بحلول عام 2050. وفيما يتعلق بالنمو الاقتصادي العالمي، يتوقع أن يزداد في نفس الفترة بنسبة تتراوح من 2-3% سنويا فقط؛ مما يعني أن الدخل العالمي سيزداد بصورة أكبر بكثير من عدد السكان على مدى العقود الأربعة القادمة.
لكن الأمن العالمي في العقود التالية لن يتوقف على مستوى الدخل العالمي، بل يتوقف بصورة أكبر على كيفية توزيع السكان في العالم: أيُ الدول تشهد معدلات نمو أكبر، وأيها تشهد انخفاضا في عدد السكان؟، وأيُ الدول ستصل على مرحلة الشيخوخة وأيها ستظل فتية؟، إضافة إلى كيفية تأثير العوامل الديموجرافية على تحركات السكان عبر المناطق المختلفة.
في هذا الإطار توضح بيانات الأمم المتحدة -كما ورد في مقال في مجلة الإيكونوميست البريطانية- أن العالم سيشهد أربعة تحولات ديموجرافية كبرى من شأنها أن تحدث تحولا جذريا فيما يتعلق بسكان العالم في الأربعة عقود التالية؛ حيث ستنتقل فموازين القوة، ولأول مرة في التاريخ، من أوروبا إلى دول أخرى في آسيا وإفريقيا نتيجة النمو السكاني السريع في تلك الدول والانكماش السكاني في الدول المتقدمة
وتتمثل هذه التحولات في :
- انخفاض الوزن الديموجرافي النسبي للدول المتقدمة بمعدل 25%،
- انتقال مركز القوة الاقتصادية لصالح الدول النامية،
- تناقص القوة العاملة لدى الدول المتقدمة نتيجة الانكماش السكاني وزيادة عدد كبار السن،
- ارتفاع الطلب على العمالة المهاجرة من قبل الدول المتقدمة نتيجة استمرار نموها الاقتصادي.
أمريكا وأوربا.. تراجع سكاني واقتصادي
ومن المتوقع أن تشهد الدول الغربية تراجعا كبيرا على المستوى الديموجرافي والاقتصادي بشكل غير مسبوق في تاريخها. ففي القرن الثامن عشر، كان ما يقرب من 20% من سكان العالم يعيشون في أوروبا وروسيا، كما شهدت أوروبا موجات هجرة انطلقت إلى الأمريكتين حتى زاد عدد سكان المستعمرات الأوروبية في شمال أمريكا بنسبة 33%. وفي عام 1913، كان عدد سكان أوروبا يفوق عدد سكان الصين، كما كانت النسبة الأكبر من سكان العالم تعيش في أوروبا.
وبحلول عام 2003، بلغ مجموع سكان كل من أوروبا والولايات المتحدة وكندا حوالي 17% فقط من سكان العالم، ومن المتوقع أن تتناقص هذه النسبة لتصبح 12% بحلول عام 2050، وهو معدل أقل مما كان علية الحال في عام 1700.
وعلى المستوى الاقتصادي، يشير المؤرخ الاقتصادي "إنجس ماديسون" إلى أنه مع بداية القرن التاسع عشر، بلغت مساهمة كل من أوروبا وكندا والولايات المتحدة في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي حوالي 32%. وقفزت هذه النسبة بشكل ملحوظ لتصبح 68% في عام 1950، ما يعني أن أكثر من نصف معدل الناتج المحلى الإجمالي العالمي كان مرتكزا في أوروبا وأمريكا الشمالية.
لكن الوضع اختلف في عام 2003، فقد انخفضت نسبة مساهمة كل من أوروبا وأمريكا الشمالية وكندا في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى حوالي 47%، ويتوقع أن تستمر هذه النسبة في الانخفاض في المستقبل.
وإذا استمر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (معادلا بالقوة الشرائية) خلال الفترة من 2003-2050 في النمو بنفس المعدل الذي نما به خلال الفترة من 1973- 2003 (1.68 في أوروبا والولايات المتحدة وكندا، و2.47 في باقي دول العالم)، فإن الناتج المحلي الإجمالي لكل من أوروبا والولايات المتحدة وكندا سيتضاعف بحلول عام 2050، بينما سيزداد الناتج المحلي الإجمالي لباقي دول العالم بنحو خمس مرات؛ وهو ما يعني أن نسبة الناتج المحلي الإجمالي لكل من أوروبا والولايات المتحدة وكندا مجتمعة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ستكون أقل من 30%
وتشير الأرقام أيضا إلى نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (حوالي 80%) ستقع خارج أوروبا والولايات المتحدة وكندا. وبحلول منتصف القرن، ستكون الطبقة الوسطى العالمية، وهم القادرون على شراء السلع الاستهلاكية المعمرة، أكثر تواجدا في الدول التي تعتبر الآن دول نامية. ويتوقع البنك الدولي أن تصل أعداد الطبقة الوسطى في الدول النامية إلى حوالي 1.2 مليار بحلول عام 2030، أي بزيادة تبلغ 200% مقارنة بعام 2005، وهو ما يعني أن النمو الاقتصادي في الدول الصناعية الجديدة، مثل الصين والهند وإندونيسيا والمكسيك وتركيا، سيكون المحرك الرئيس للتوسع الاقتصادي العالمي.
القوة العاملة.. في خطر
من المتوقع أن تشهد الدول المتقدمة زيادة في نسبة كبار السن، فالدول الأوروبية وكندا والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وحتى الصين تشهد معدلات شيخوخة غير مسبوقة، حيث تتراوح نسبة السكان الذين تزيد أعمارهم على 60 سنة في الصين وكوريا الجنوبية بين 12-15%، وتتراوح هذه النسبة في كل من الاتحاد الأوروبي وكندا والولايات المتحدة بين 15-22%، وتصل إلى 30% في اليابان.
وتشير التوقعات أنه بحلول عام 2050 سيصل 30% من الأمريكيين والكنديين والصينيين والأوروبيين إلى عمر الستين، إضافة إلى أكثر من 40% من اليابانيين والكوريين الجنوبيين.
من جهة أخرى ستشهد الدول الصناعية انخفاضا في عدد السكان في سن العمل بشكل يفوق الانخفاض في عدد السكان نفسه، وتعد كوريا الجنوبية المثال الأكثر وضوحا؛ فإلى جانب الانخفاض المتوقع في إجمالي عدد السكان بنسبة 9% بحلول 2050 (من 48.3 إلى 44.1 مليون)، فإن عدد السكان في سن العمل سينخفض بنحو 36% (من 32.9 مليون إلى 21.1 مليون نسمة)، بينما سيزداد عدد السكان الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما بنحو 150% (من 7.3 مليون إلى 18 مليون)
وتعبر حالة كوريا الجنوبية عن بقية أوضاع الدول المتقدمة، إذ يتوقع أن تخسر أوروبا 24% من السكان في سن العمل (نحو 120 مليون عامل) بحلول عام 2050، كما يتوقع أن يزداد عدد السكان في سن 60 سنة أو أكثر بنحو 47%. وفي الولايات المتحدة يتوقع نمو عدد السكان في سن العمل بسبة 15% في العقود الأربعة القادمة، وهو معدل نمو يقل كثيرا عن معدل النمو الذي شهدته الفترة من 1950-2010 (حوالي 62%)، كما يتوقع أن يتضاعف عدد السكان في سن 60 سنة أو أكثر.
إن كل هذه التغيرات ستؤثر على النمو الاقتصادي والرعاية الصحية والقوة العسكرية في العالم المتقدم؛ فالقوى التي غذت النمو الاقتصادي خلال النصف الثاني من القرن العشرين سوف تتناقص في العقود القادمة.
العالم الإسلامي.. قوة ديموجرافية متنامية
تشير معظم التقارير والإحصائيات إلى أن معظم سكان الدول الصناعية في أوروبا وأمريكا الشمالية وشمال شرق آسيا هم من كبار السن بينما معظم سكان دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا هم من الشباب وصغار السن. كما تشير أيضا إلى أن أكثر من 70% من معدلات الزيادة السكانية في العالم حتى عام 2050 ستتركز في 14 دولة تصنف، طبقاً لتقرير للبنك الدولي صدر في عام 2008، أنها من الدول ذات الدخل الأقل في العالم حيث يبلغ متوسط دخل الفرد فيها أقل من 3.855 دولار أمريكي.
وليست دول العالم الإسلامي ببعيدة عن هذه التغيرات، ففي عام 1950 كان مجموع سكان كل من بنجلادش ومصر ونيجيريا وإندونيسيا وباكستان وتركيا (وهي أكثر دول العالم الإسلامي كثافة سكانية) حوالي 242 مليون نسمة، وارتفع هذا العدد إلى حوالي 886 مليون نسمة بحلول 2009، ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد بمقدار 475 مليون بحول عام 2050، في حين ستكون الزيادة في نفس الفترة في الدول الست الأكثر نموا من حيث عدد السكان في العالم المتقدم حوالي 44 مليون نسمة فقط.
كما أن هناك 28 دولة ذات أغلبية إسلامية أو توجد بها أقلية مسلمة تبلغ نسبتها 33% أو أكثر، (من بين 48 دولة) هي أكثر دول العالم نموا من حيث عدد السكان إذ يبلغ معدل نموها 2% أو أكثر.
وبسبب هذا الوزن الديموجرافي الكبير لدول العالم الإسلامي، فإن على الغرب أن يسعى لتحسين علاقته بالعالم الإسلامي. ولكن أحد العقبات التي قد تحول دون ذلك أن العديد من المسلمين يعيشون في مجتمعات فقيرة، ومن ثم يكونون أكثر عرضة للتوجهات الراديكالية المتطرفة، كما أن معظمهم ينظر إلى الغرب ككيان عدائي وعسكري؛ فوفقا لاستطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث في أمريكا، فإن حوالي 18% فقط من مواطني مصر والأردن وباكستان وتركيا (حلفاء واشنطن في منطقة الشرق الأوسط) لديهم نظرة إيجابية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.
ومع ذلك فإن تحسين العلاقات مع العالم الإسلامي يعد أمرا شديد الأهمية بسبب الوزن الديموجرافي المتزايد للدول المسلمة الفقيرة، وكذلك بسبب تزايد معدلات الهجرة من الدول الإسلامية لدول العالم المتقدم خاصة من شمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا (تشير التنبؤات إلى أن المسلمين سوف يسيطرون على القارة الأوروبية، وهي تنبؤات خاطئة لأن نسبة المسلمين في القارة تنحصر بين 3-10%، وفي أكثر التقديرات تفاؤلا، فإن هذه النسبة ستتضاعف بحلول منتصف القرن).
وعلى الإستراتيجيين في العالم أن يدركوا أن فئة الشباب تتركز في الدول الأقل استعداد لتعليمهم وتوظيفهم، وكذلك في بعض الدول الإسلامية. ومن شأن أي توتر اجتماعي أو تطرف إيديولوجي أن يلقي بظلاله السلبية على كثير من دول العالم، وهو سيناريو يمكن تجنبه عن طريق فتح باب الهجرة الصحية إلى الدول المتقدمة وانتقال رؤوس الأموال إلى الدول النامية.
الامتداد الحضري
من جانب آخر تزداد معدلات الامتداد الحضري في العالم بصورة لم يسبق لها مثيل، وسيكون عام 2010 أول عام في التاريخ يزداد فيه عدد السكان في المدن أكثر من عددهم في الريف، فبينما كان يعيش حوالي 30% من سكان العالم في المدن في عام 2005، فإن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن هذه النسبة سترتفع إلى 70% بحلول عام 2050.
وتشهد الدول الأقل دخلا في آسيا وإفريقيا معدلات تحضر أعلى من غيرها نظرا لأن الزراعة أصبحت أقل استهلاكا للعمالة ولتحول فرص العمل إلى القطاعات الخدمية والصناعية. كما أن معظم التجمعات الحرة في العالم تقع في الدول الأقل دخلا (مومباي: 20.1 مليون نسمة، مكسيكو سيتي: 19.5 مليون نسمة، نيودلهي: 17 مليون نسمة، شنغهاي: 15.8 مليون نسمة، كالكوتا: 15.6 مليون نسمة، كراتشي: 13.1 مليون نسمة، القاهرة: 12.5 مليون نسمة، مانيلا: 11.7 مليون نسمة، لاجوس: 10.6 مليون نسمة، جاكرتا: 9.7 مليون نسمة). ولدى معظم هذه الدول أكثر من مدينة يبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة (باكستان: 8 مدن، المكسيك: 12 مدينة، الصين: أكثر من 100 مدينة).
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نسبة التحضر في إفريقيا جنوب الصحراء ستزداد من 35% (300 مليون نسمة) في عام 2005 إلى 67% (مليار نسمة) في عام 2050. وفي الصين سترتفع النسبة من 40% إلى 73% بحلول عام 2050، وفي الهند سترتفع النسبة من أقل من 30% إلى 55% عام 2050. وبشكل عام يتوقع زيادة عدد سكان العالم الذين يعيشون في مناطق حضرية بنحو 3 مليار نسمة بحلول عام 2050.
وقد عدد "ريتشارد كونكاتا" تداعيات هذه المشكلة على بلدان العالم النامي ومنها: قلة العاملين بمهنة الزراعة، وكثرة التجمعات السكانية في الحضر التي تجعل هذه الدول أكثر عرضة للفوضى والعنف والفقر ومأوى لرجال المافيا والعصابات والجريمة المنظمة وأعمال الشغب، إلى جانب أنها قد تعزز من ظاهرة "الإرهاب الدولي" التي تنشأ من رحم تلك المجتمعات، وذلك نظراً لما توفره من تربة خصبة لنمو الاتجاهات الأصولية المتطرفة نتيجة انعدام الأمن وفقدان سيطرة الدولة على تلك المناطق؛ وهو ما يوفر فرصة جيدة لتجنيد الأفراد وتدريبهم.
ويمكن القول إن هذا "الامتداد الحضري" الذي ينمو بسرعة في بلدان العالم النامي سيجلب الكثير من المشكلات في العقود القادمة تكون أشبة بالمعاناة التي مرت بها أوروبا في القرن التاسع عشر من انعدام الأمن والافتقار للمرافق وانعدام الوظائف والعنف المتكرر في المجتمع، بل أدت هذه الأوضاع أحيانا إلى ثورات كبرى غيرت تاريخ أوروبا ومنها ما حدث في أعوام 1820 و1830 و1848.
نزع فتيل الأزمة
للتعامل مع التحديات الناتجة عن هذه التحولات الديموجرافية، يجب على صناع القرار أن يكيفوا مؤسسات الحكم العالمية الحالية مع الحقائق الجديدة التي تشير إلى شيخوخة العالم الصناعي وتركيز النمو السكاني والاقتصادي في الدول النامية، والزيادة في معدلات الهجرة الدولية.
وخلال الحرب الباردة قسم الإستراتيجيون الغربيون العالم إلى "عالم أول" يشمل الدول الصناعية الديمقراطية، و"عالم ثان" يشمل الدول الصناعية الشيوعية، و"عالم ثالث" يضم الدول النامية. وركز هؤلاء الإستراتيجيون على ردع وإدارة الصراع بين العالم الأول والثاني من خلال شن حروب بالوكالة ومبادرات دبلوماسية لجذب دول العالم الثالث إلى معسكر العالم الأول.
ومنذ نهاية الحرب الباردة، تخلى الإستراتيجيون الغربيون عن هذا التقسيم، واعتقد بعضهم أن الولايات المتحدة، القوة العظمى الوحيدة، ستفرض سلاما أمريكا Pax Americana على العالم، بينما ذهب البعض الآخر إلى أن العالم سيشهد تعددية قطبية بين الولايات المتحدة وأوروبا والصين. لكن بسبب تجاهلهم للتحولات الديموجرافية الحالية التي يشهدها العالم، فإن رؤى هؤلاء الإستراتيجيين لن تصبح غير ذات جدوى في العقود القادمة.
ويتمثل الاقتراب الأفضل في النظر إلى النظام العالمي على أنه مكون من ثلاثة عوالم هي:
ـ العالم الأول:
يضم الدول الصناعية التي تمر بمرحلة الشيخوخة السكانية، وهي أمريكا الشمالية وأوروبا وجزء آسيا المطل على المحيط الهادي، والذي يشمل: اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان، بالإضافة إلى الصين بحلول عام 2030.
ـ العالم الثاني:
يضم الدول التي تشهد معدل نمو سكاني واقتصادي مرتفع، وتتمتع بمزيج صحي من السكان صغار وكبار السن. وتتمثل هذه الدول في: البرازيل وإيران والمكسيك وتايلاند وتركيا وفيتنام، وكذلك الصين حتى عام 2030.
ـ العالم الثالث :
يضم الدول التي ستشهد نموا سكانيا مرتفعا، إلى جانب ارتفاع نسبة الشباب فيها، والتي تعاني من اقتصادات فقيرة وحكومات ضعيفة.
ولمواجهة حالة عدم الاستقرار التي ستنتج عن زيادة معدلات التحضر والفشل الاقتصادي والخروج عن القانون والأنشطة الإرهابية المحتملة في العالم الثالث، يجب على دول العالم الأول بناء تحالفات فعالة مع دول العالم الثاني لمساعدة دول العالم الثالث.
وبناءً على ذلك يجب على الإستراتيجيين أن يعيدوا النظر في بنية المؤسسات العالمية القائمة، فمثلاً مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى لا يمكن الاعتماد عليها بتركيبتها الحالية في صنع السياسات الاقتصادية العالمية، خاصة وأن مجموعة العشرين قد أصبحت أكثر أهمية في ظل الأزمة المالية العالمية وكذلك بدايات الاعتراف بدول مثل البرازيل والهند وتركيا والمكسيك وإندونيسيا كقوى اقتصادية صاعدة.
ومن المهم أيضا السماح لتركيا بدخول الاتحاد الأوروبي لأن ذلك سيعتبر بمثابة ضخ دماء جديدة داخل دول الاتحاد، ومن جهة أخرى ستثبت هذه الخطوة أن المسلمين مرحب بهم فيما يتعلق بمشاركة الأوروبيين في تشكيل مستقبل مزدهر.
وعلى الجانب الآخر فإن استبعاد تركيا من الاتحاد الأوروبي سيؤدى إلى حالة من العداء تجاه الغرب ليس فقط لدى مسلمي تركيا ولكن أيضا لدى قسم كبير من المسلمين في العالم.
ويجب على حلف شمال الأطلسي (الناتو) أن يكيف نفسه مع هذه التغيرات بحيث يتوجب عليه ألا يكرس اعتماده فقط على الدول الصناعية المصابة بالشيخوخة، ولكن عليه أن يتوجه للدول الأكثر سكاناً في إفريقيا والشرق الأوسط ووسط آسيا والتي هي الأقدر على تعبئة جنودها بشكل أسرع وأيسر من تعبئة الناتو لقواته الحالية.
على صعيد آخر يمكن للدول الغربية أن تتخذ العديد من الخطوات لمواجهة القضية السكانية على الصعيد المحلي من قبيل تشجيع العائلات على إنجاب أكثر من طفل وإعطاء بدلات مالية للأسر التي لديها أكثر من طفل، علاوة على الاستفادة الصحيحة من قضية الهجرة لأن الهجرة ستبقى صمام الأمان لهذه الدول.
--------------------------------------------------------------------------------
كاتب أمريكي مرموق، أستاذ بكلية السياسات العامة بجامعة جورج ميسون الأمريكية ومتخصص في قضايا الحركات الاجتماعية والثورات والسياسة الدولية، شارك في تأليف 9 كتب، ويعمل حاليا مستشارا في وزارة الخارجية الأمريكية، ومكتب التحقيقات الفيدرالية، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
*موجز لدراسة نشرت بمجلة "الشئون الخارجية" الأمريكية تحت عنوان "القنبلة السكانية الجديدة"، عدد يناير/فبراير 2010.
------------------------------------------------------------
من إسلام أون لاين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق