- بلادى توداى
- 1:49 ص
- أبحاث ودراسات ، شريعة ومنهاج الإسلام
- لا توجد تعليقات
سلسلة مواعظ الإمام ابن الجوزى
عليك بالخوف من الله
إخواني : من علم عظمة الإله زاد وجله ، ومن خاف نقم ربه حسن عمله ، فالخوف يستخرج داء البطالة ويشفيه، وهو نعم المؤدب للمؤمن ويكفيه . قال الحسن : صحبت أقواماً كانوا لحسناتهم أن تُردَّ عليهم أخوف منكم من سيئاتكم أن تعذبوا بها . ووصف يوسف بن عبد المحسن فقال : كان إذا أقبل كأنه أقبل من دفن حميمه، وإذا جلس كأنه أسير من يضرب عنقه، وإذا ذكرت النار فكأنما لم تخلق إلا له . وكان سميط إذا وصف الخائفون يقول : أتاهم من الله وعيد وفدهم، فناموا على خوف وأكلوا على تنغصٍ.
واعلم أن خوف القوم لو انفرد قتل ، غير أن نسيم الرجاء يروح أرواحهم ، وتذكر الإنعام يحيى أشباحهم . ولذلك روى : (لَو وُزِنَ خَوفُ المؤمن ورجَاؤه لاعتدلا). فالخوف للنفس سائق ، والرجاء لها قائد ، إن ونت على قائدها حثها سائقها، وإن أبت على سائقها حركها قائدها مزيح الرجاء يسكن حر الخوف، وسيف الخوف يقطع سيف - سوف - وإن تفكر في الإنعام شكر وأصبح للهم قد هجر، وإن نظر في الذنوب حذر، وبات جوف الليل يعتذر، وأنشد :
أَظلَت عَلينا مِنكَ يوماً سَحابةً ... أَضَاءَت لَنا برقاً وأَمطَرتنا
فَلا غيمَها فيائسٌ طامعٌ ... ولا غَيثَها باقي، فيروى عطاشها
------------------------------------------------------------------------
عليك بحب الله
إخواني : الموت في طريق الطلب: خير من العطب في طريق البطالة ، ما هذا؟! أدم السهر والصوم ، وخل لأربابه طول النوم ، وشمر في لحاق القوم ، فإذا وصلت إلى دوائك : أنخت بجناب (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُم قَدَمَ صِدقٍ عِندَ مَلِيكٍ مقتَدِرٍ) . يا هذا : عليك بإدمان الذكر، لعل ذكرك القليل ينمى ذكره الجليل (وَلَذِكرُ اللَهِ أَكبَرُ) ؛ أنا جليس من ذكرني . لا تعجز عن حفر ساقية وإن ربت ، فإنك إذ ألحقتها بساحل البحر فاض من ماء البحر إليها فصارت دجلة، أخلص في ذكرك لعله يذكرك . روى البخاري ومسلم في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له : حمدان ، فقال صلى الله عليه وسلم: (سيروا سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات) . روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول: (أَنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه). وقال أبو الدرداء : الذين ألسنتهم رطبة بذكر الله تعالى يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك0 يا هذا: من علامات المحب انزعاجه عند ذكر محبوبه . لو أحببت شخصاً من أهل الدنيا فسمعت باسمه لانزعج باطنك ، أما سمعت أن مجنوناً أحب مخلوقاً فلما ذكر انزعج ، فقال :
ودَاعٍ دَعا إِذ نَحنُ بالخيف من مني ... فَهَيَّج أَحزان الفؤاد ولَم يدر
دعا بإِسم ليلى غيرها فكأَنما ... أَطار بقَلبي طائِراً كانَ في صَدري
وهذا ذكر الله يُتلى عليك وما تتغير، وكم تسمع من أوامره ونواهيه ولا تتدبر، وقد يسره الكريم على من اجتهد فيه، وما عسر، وكم من نظر فيه حقيقة النظر وتبصر، وعمل ما أمره وترك ما نهى عنه في العمل والقول وتحرر، وكلما نظر في عمله رأى أنه مقصر فيه تفكر، لا يلتذ بطعام ولا شراب ولا نوم إلا ذكر وتذكر، أما سمعت قوله في الكتاب العزيز مسطراً إخباراً عنهم في ذكرهم له قولاً بليغاً مفسر: (إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم) (وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابُهم) فشكرهم على ذلك وستر، بأنه راض عنهم يوم تشقق السماء وتتفطر: (يُنَبَّؤُا الإِنسَانُ يَومَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) ويبقى العاصي نادماً على تفريطه مُحسر، مثقل بحمل خطاياه وفي ذيل ذنوبه معثر، فإذا دعي لقراءة كتابه رأى ما فيه من السيئات تحير ويرى غيره قد أمر به إلى النار مسحوب مجرجر، فيندم فلا ينفع، ويبكي فلا يُسمَعُ ولا يُرحم، ولا يعذر، فالعذاب الشديد لمن كد وطغى وتجبر، ونصحتك، فالتوبة التوبة ، فعسى بعد الكسر تجبر، فهو المعين لمن لجأ إليه ، فله الحمد على ما قضى وقدر .
------------------------------------------------------------------------
من مواعظ الإمام ابن الجوزى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق