- بلادى توداى
- 4:17 ص
- أسرتنا المسلمة
- لا توجد تعليقات
يقول الرسول المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"، وفسّره الشيخ العلامة سفر الحوالي بأن "الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد أودع في فطر النَّاس الإيمان بالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فكل مولود من بني آدم يولد، فهو مقر بالله ومتجهٌ بفطرته إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ومفطور عَلَى الإقرار والإيمان به -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بحيث لا يحتاج إِلَى أن يلقن ذلك ولا أن يعلّم، بل هو مولود عَلَى نفس هذه الملة -ملة الإسلام- ".
وعلى ذلك تظهر أهمية الاهتمام بدين المولود، والمحافظة على فطرته الإسلامية الصحيحة، وترسيخ ذلك في حياته اللاحقة، منعاً لدخول ما قد يشوبها من أفكار خاطئة، قد تؤدي إلى ضلالة أو تفضي إلى انحراف.
ويستعين الأهل بعد الله ا_عز وجل_، بالكثير من الطرق والأساليب في تنمية هذا الجانب الإيماني لدى أبنائهم، وتعظيم وحدانية الله _عز وجل_ في نفوسهم، ومنها ما يشير إليها الدكتور عدنان علي النحوي بالقول: " إن قضية تربية الطفل عملية إعداد وبناء ليصبح قادراً عند بلوغه سن الرشد على تحمُّل المسؤولية التي كلّفه الله بها، سليم الفطرة، سليم الإيمان والتوحيد، يحمل العلم من منهاج الله قدر وسعه الصادق خلال مراحل نموّه. وأدب الأطفال الإسلامي يساهم مساهمة كبيرة في بناء العقيدة السليمة وفي حماية الفطرة في مراحله المختلفة".
مرحلة الحمل والولادة:
يرى الدكتور عدنان النحوي أن أول قطعة من الأدب الإسلامي للطفل وللكبير هي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولذلك ورد في الأثر الأذان في الأذن اليمنى للطفل والإقامة في الأذن اليسرى ، فعن أبي رافع _رضي الله عنه_ قال: "رأيت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أذَّن في أذن الحسن بن علي حين ولدته أمه فاطمة _رضي الله عنه_ا بالصلاة" [رواه أبو داود والترمذي]. فيكون أول كلمة تدخل فطرة المولود بالأذان هي الشهادتان، كلمة تتجاوب مع فطرته التي فطره الله عليها، تدخل الأذن وتمتدّ في كيان المولود ما شاء الله لها أن تمتد على سنن ربّانية، لتنمّي غرسة الإيمان والتوحيد وصفائهما، الغرسة التي وضعها الله في فطرة هذا المخلوق الجديد، ولتصبح مسؤولية الإنسان ابتداءً بالوالدين مسؤولية مباشرة عن رعاية العقيدة وسلامتها وصحّتها".
ويضيف "ثم تمضي الشهادتان في حياة الطفل كلها تتردّد مع مراحل نموه حتى بلوغه رشده وشبابه وكهولته وحياته كلها حتى يلقى الله ربه عليها، فيُلقّنها عند الموت"، مورداً دليلاً على استمرار ذلك إلى الموت، بحديث أبي سعيد وأبي هريرة وعائشة _رضي الله عنه_م عن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ قال: "لقّنوا موتاكم لا إله إلا الله" [رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والنسائي].
فهذه الكلمة: "لا إله إلا الله" هي القاعدة الصلبة في التربية في الإسلام، وهي تمثّل النهج والغاية، وهي تمثّل الحقيقة الكبرى في الكون والحياة، وتمثّل الانطلاقة الأولى والهدف الربّاني الأول للمسلم في تبليغ دعوة الله للناس كافّة".
ويرى الدكتور النحوي أن من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم أن نبّهنا إلى نشاط حاسة السمع لدى المولود ولو لم يدرك المعنى، ولكن الصوت وأمواجه تترك أثرها بطريقة ربانية، وقد ثبت علمياً اليوم أن حاسة السمع لدى الجنين قبل أن يولد تكون عاملة، تتأثر وتستقبل الصوت، ويترك الصوت أثره في الجنين بطريقة لا يدركها العلم، ولكن يعلمها الله رب العالمين.
وتقول د. آريان آيزنبرغ وزميلتاها في كتابهنّ: "ماذا تتوقع عندما تنتظر الجنين" حيث إن حاسة السمع عند الجنين تكون قد تطورت تطوراً كبيراً مع نهاية المرحلة الثانية أو بداية الثالثة، فيصبح من الحقيقة أن الأجنّة عند أصدقائك يسمعون ما يدور من موسيقى ومن قراءات، ولكن ما هو تأثير ذلك في مقبل الأيام لم يتأكد حتى الآن، ويعتقد بعض الباحثين المختصين في هذا العلم أنه من الممكن إثارة الجنين قبل ولادته ليكون جنيناً متميزاً"
ولذلك ينصح بعضهم بأن تقرأ الأم شيئاً يسمعه الجنين دون أن يعي المعنى، فيترك ذلك أثره، وكذلك الحديث الذي يجري في البيت بين الأبوين أو غيرهما قد يترك أثره، ويتّضح لنا هنا أهمية نقاء جو الأسرة وصفاء العلاقة بين الزوجين، حتى تسود الكلمة الطيبة التي أمر الله بها، والكلام الحسن الذي أمر الله به، ليتلقَّى الطفل وهو جنين أصوات الخير والكلم الطيب، وذكر الله، واستمرار الدعاء، وتلاوة القرآن الكريم وقراءة أحاديث الرسول _صلى الله عليه وسلم_، وأصوات الوداد والمحبّة والكلم النقيّ من الأدب الإسلامي
كلُّ ما يجري في بيت الأسرة يمكن أن يؤثّر على الجنين بالصوت، لذلك حرص الإسلام على تنظيم جو الأسرة وتفصيل العلاقات بين أفرادها، فيكون دور أدب الأطفال الإسلامي أن يُغذّي هذا الجو وهذه العلاقات
ويتابع الدكتور النحوي في محاضرة ألقاها خلال ندوة "أدب الأطفال الإسلامي" في الرياض خلال عام 1427هـ "عندما يولد الطفل تظل حاسة السمع عاملة فيه دون أن يدرك معنى الأصوات التي تصله، والتي تستقبلها أجهزة فطرته الأخرى بطريقة ربّانية، فهو يتأثر بنفس الطريقة بحنان الأم وهدهدتها له، ومناغاتها، بين كلمات الحب العميق والحنان الشديد، ويتأثر بضمّه إلى صدرها، وإرضاعها له، حين تخرج الكلمات من الأم عفو الخاطر والبديهة، فتلتقي الفطرة الصافية بالفطرة الصافية، فينال الطفل الغذاء الصافي على جرس المناغاة، لتكون النص الثاني الذي يتلقّاه الطفل.
ولقد سنَّ الإسلام سُنناً في رعاية المولود كالأذان والإقامة في أذنيه كما ذكرنا، وكذلك التحنيك والعقيقة وغير ذلك، ولكن الخطوة المهمة في هذه المرحلة هي اختيار اسم للمولود، اختيار اسمه الذي سيُرافقه حياته كلّها، والذي سيظل الناس ينادونه به، فمن مسؤولية الوالدين اختيار الاسم الحسن الطيب في معناه ومبناه، وجرسه ولفظه وكتابته، كما وردت الأحاديث الشريفة بذلك.
ويصبح هذا الاسم من أوائل الكلمات التي يسمعها والتي تظل تطرق أذنيه، ثم يتعلمها فينطق بها لسانه، وكأنما اسمه قطعة أدبية محببة إلى الطفل، يتعلّمها في سن مبكرة
إنها النغمة الحلوة التي تحمل الصورة الأدبية بمعناها وظلالها وجرسها، وقد أخذت جهداً حقيقياً من الوالدين حتى اختارا هذا الاسم لطفلهما، وربما اشترك معهما بعض الأقرب والأرحام، وكأنّ هذا الاسم أصبح النص الأدبي الثاني الذي يتلقاه الطفل بعد الشهادتين والأذان والإقامة في أُذنيه.
وتأتي القطع الأدبية الثالثة مع أول مراحل نمو الطفل من خلال مناغاته وتسهيل نومه بالنغمة الحلوة، والشعر البسيط، مما لا يدرك معناه ولكن يؤثر فيه الإيقاع الرتيب الحلو، وأرى أنه يجب الحرص على أن لا يدخل أذن الطفل في جميع مراحل تربيته إلا اللغة العربية الصحيحة والمعاني الكريمة، مع إدراكي صعوبة تحقيق ذلك في عالم ضعفت فيه منزلة اللغة العربية الفصيحة، وانتشرت اللهجات العامية المختلفة، ولكن يجب علينا أن نظل نذكّر بالقواعد الرئيسة في الإسلام، والتزام اللغة العربية الصحيحة أمر هام فعليه أن يسعى ويجاهد من أجل إتقانها، وخاصة في واقعنا اليوم.
ويتدرّج الطفل في تقبّل الشعر وتمثُّله عاماً بعد عام، حتى يصل إلى مرحلة يستطيع فيها أن يحفظ الأناشيد الحماسية، والقصص الشعرية، ويرددها مع زملائه في المدرسة، أو بين والدين متعاونين وأسرة مترابطة، ويفخر بالتغنّي بها".
مرحلة ما بين السنة الأولى والثانية حتى الفطام:
يقول الدكتور النحوي معلقاً على الآية الكريمة: "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا... الآية" (البقرة: من الآية233). "إنه أسلوب رباني معجز في التربية والتعهد والبناء، لا يمكن أن تجده خارج أجواء الإسلام والبيت المسلم الملتزم. وأطيب الكلام وأغناه كلام الله، فيسمع منه مع السنة الثانية بعض الآيات القصيرة، ثم يزداد ذلك مع نموّه، ليُغْرس في فطرته الكلم الطيب الطاهر، وتُحمى فطرته بذلك، ويمكن للشعر السهل الخفيف أن يسمع منه شيئاً، وفي آخر السنة يمكن أن يحفظ بعضه، شعراً طيباً في نغمته ومعناه، مع ما يسمع من آيات كريمة قصيرة، ويظل جو الأسرة المسلمة يؤثر في تربية الطفل بما فيه من سكن ومودّة وتعاون. ويكون الطفل في هذه المرحلة قد تعلّم المشي، وتعلّم بعض الكلمات السهلة أيضاً مثل: بابا، ماما، هات، ربي، الله، الحمد لله، مع بعض الآيات القصيرة والشعر السهل كما ذكرنا، وينمو قاموس الطفل ليبلغ بحدود (250) كلمة".
مرحلة ما بين السنة الثانية والرابعة أو الخامسة:
وعن هذه المرحلة، يورد الدكتور عدنان النحوي دليلاً من حديث الأسود بن سريع عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "قال مولود يولد على الفطرة حتى يُعْرِبَ لسانه فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه".
ويضيف "يبدأ الطفل في هذه المرحلة بالتقليد وبالتعرّف على ما حوله، وتزداد قدراته على التعلم، فنراه يقلّد والديه في الركوع والسجود، وقد يقف بجانبهما في الصلاة، أو يقف وحده، أعمال يُقبل عليها بالفطرة، فتُغْرس فيه بعض معاني الإيمان وبعض أعمال الإسلام وآدابه، ويتعلّم التحيّة و"بسم الله الرحمن الرحيم"، وتقوى ملكة النطق عنده ويستقيم لسانه، فيمكن أن يحفظ سوراً قصيرة وأحاديث قصيرة، ومقاطع شعرية خفيفة، ويستمتع بالسماع إلى القصة القصيرة الممتعة، فيعطى من عناصر أدب الأطفال الإسلامي ما يوفر له المتعة والفائدة معاً، وما ينمي إيمانه وعلمه وقدرته على حسن الاستماع والنطق والفهم، لينمو بذلك زاده كله، وينمو قاموسه اللغوي مع السنة الرابعة إلى (1600) كلمة، وينمو إيمانه، ويتعلم بعض قواعد الإيمان والتوحيد.
يتعلم الطفل في هذه المرحلة بالتلقين المباشر، والتقليد، والتعرف على ما حوله، وبالاستماع، والنظر في الصور، وما يعرض عليه من كتب مصورة، وتنمو حواسه كلها، وينمو إدراكه".
مرحلة السنة الخامسة إلى السنة السابعة:
وعن هذه المرحلة الهامة في حياة الإنسان، يورد الدكتور النحوي دليلاً آخر عن عبد الله بن عمر _رضي الله عنه_ما عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع" [رواه أبو داود].
ويضيف بالقول: "في هذه المرحلة يحسن أن يوفر للطفل جو الرفقة الطيبة، فالرفقة ضرورية للتربية ومراعاة الحاجات النفسية كلها، والتدريب على حب التعاون وتنمية الروابط الإيمانية في أجواء اجتماعية من ألفة ومحبة. وننصح في هذه المرحلة، وعندما يقترب الطفل من الخامسة، بأن ينظم الأب جلسة يومية أو أسبوعية على الأقل، نسميها "مجلس العائلة"، يكون له منهج ممتع مسل ومفيد، ينال الطفل من خلاله أفضل غذاء من الكتاب والسنة واللغة العربية، ومن الكتاب الإسلامي من شعر أو قصة أو حكاية، ومن فكاهة وطرفة، ومن خبر وأحداث، ذلك كله يخضع لنهج محدد وخطة مدروسة تعين على تحقيق الأهداف المرجوة، ومن خبر وأحداث، ذلك كله يخضع لنهج محدد وخطة مدروسة تعين على تحقيق الأهداف المرجوة، يضعها الوالدان المسؤولان ويشرفان على تنفيذها، وقد ينضم إلى المجلس أبناء الأرحام والأقارب والجوار. وجميع ما يعطى للطفل من مواد مناسبة من أدب الأطفال الإسلامي، يظل ينمو مع نمو الطفل من مرحلة إلى مرحلة، فينمو الشعر وتنمو القصة".
ويتابع بالقول: "يزداد هنا اهتمام الوالدين بتدريب أولادهما على الصلاة ووعي فرضيتها والمحافظة عليها، حتى إذا بلغ السابعة أمر بها كما جاء في حديث الرسول _صلى الله عليه وسلم_، ويفرق بين الأبناء في المضاجع، وتبدأ الفروق تظهر بين البنين والبنات مع آخر هذه المرحلة، ويصبح لهذه الفروق أثر في التربية، وأحاديث شريفة أخرى. ولم يأت الأمر بالضرب إذا امتنع الطفل عن الصلاة وهو ابن عشر سنين، إلا لأن التربية في الإسلام نهج وخطة متكاملة تتجاوب مع فطرة الطفل ووسعه وقدراته، وتقضي هذه الخطة والنهج أن الطفل عندما يؤمر بالصلاة في السنة السابعة سيستجيب الطفل السوي إلى هذا الأمر بسهولة ويسر استجابة فطرة وإيمان بناء على نجاح التربية في المراحل السابقة ووضوح آثارها، فإن لم يستجب وهو ابن عشر سنين، فيكون الطفل بحاجة إلى هزّة توقظ فطرته، والله أعلم بما يحتاجه الطفل في هذه الحالة، فهو تشريع رباني أعلى من كل تجربة بشرية علمانية، تطويها تجارب أخرى، وحين ترفض المناهج العلمانية الضرب فذلك يعود إلى أنه لم يبق في حياتهم ما يوجب الضرب في مراحل تربية الطفل، فهم لا يدركون خطورة الصلاة ولا خطورة الإيمان والتوحيد، ولا خطورة البعث والحساب وعذاب النار، وهم قد أباحوا الزنا والفاحشة واللواط، فلم يبق شيء يستحق حتى التنبيه أو اللوم، كل المحرمات أبيحت.
وهم لا يعترضون على مبدأ الضرب فقط ، وإنما يعترضون على الإسلام كله بنهجه وتشريعه.
والتفريق هنا في المضاجع، وفي مراعاة الاحتياجات المختلفة المتجاوبة مع طبيعة كل من البنين والبنات، ولا تجوز التفرقة في المعاملة والحب والحنان، حتى لا يشعر أحد أنه نال اهتماماً أقل في النظرة أو القبلة أو الحنان أو العطاء، كما تبين لنا ذلك أحاديث شريفة.
ويكون الطفل مع السنة الخامسة والسادسة قد بدأ يتعلم الكتابة، وتتحسن كتابته وقراءته في السابعة من عمره، مما يُهيّئ الطفل إلى مرحلة جديدة بعد السابعة، ينمو معه فيها غذاؤه من أدب الطفل الإسلامي، قرآناً وسنّة ولغة عربية، وشعراً، وقصة، وغير ذلك، وبذلك ينمو قاموسه اللغوي حتى يبلغ بحدود (3000) كلمة".
مرحلة ما بين السابعة إلى العاشرة:
يقول الدكتور النحوي: " في هذه المرحلة يجب أن يتأكد الوالدان من التزام ابنهما للصلاة، ومن حسن تعلمه لها وتطبيق أحكامها، ويمكن أن يُلجأ إلى الضرب عند الحاجة. وفي هذه المرحلة تنمو قدرة الطفل على الكتابة والقراءة، وتنمو قدرته على التفكير والتصور الذهني والخيال، وينمو تصوره الإيماني ووعيه لأسس قواعد الإيمان والتوحيد، وإدراك معنى طاعة الله ورسوله. وفي هذه المرحلة يكون قد أصبح طالباً في المدرسة يتلقى فيها مختلف العلوم الأولية، فيصبح البيت مرتبطاً بالمدرسة كمركزين من مراكز التربية والبناء وإعداد الطفل ليتحمل مسؤولياته في الحياة، وكذلك أصبح يرتاد المسجد ويقيم الصلاة، ويرى المؤمنين صفوفاً متراصة منتظمة، في أوقات محدّدة، فيتعلم احترام الوقت وتنظيمه، ويتعلم ارتباطه مع أمّته من خلال هذه المراكز الثلاثة المترابطة: البيت، والمسجد، والمدرسة. ويتلقى الآن نصوصاً أعلى وأغنى من أدب الأطفال الإسلامي وأولها من منهاج الله، ثم من الشعر والقصة، وربما يدخل المسرح في هذه المرحلة جزءاً من نشاط المدرسة يتدرّب فيها الطفل على الإلقاء والحوار ومقابلة الجمهور، وبناء العلاقات الاجتماعية من خلال نصوص مختارة من أدب الأطفال الإسلامي. يتعلّم هنا معاني الألوهية والربوبية وعبوديّة الإنسان لربه من خلال الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، ومن الأناشيد والقصائد، ومن القصص أيضاً".
ويضيف "ويستمر (مجلس العائلة) وينمو مع نمو الطفل، ويزداد عطاؤه وبركته، وتُحبّب إليه القراءة والمطالعة باختيار أنسب الكتب، حتى يحب الطفل في هذه المرحلة قصص المغامرات التي توسّع من خياله وتُنَمّيه، كما يُحِب المسلسلات والألغاز، وسير الأبطال من تاريخ أمة الإسلام، تقدّم له قصصاً غنيّاً وأدباً نديّاً. ويجب أن نلاحظ ونؤكد أن للإسلام نظريته الفريدة في التربية والبناء، وله نهجه الفريد الذي يمتدّ نهجاً واحداً متكاملاً بين البيت والمسجد والمدرسة، حتى لا يجد الطفل المسلم أيّ تناقض بين ما يتلقّاه هنا وهناك، بل يجد التناسق والترابط، ويظلّ الأدب يؤدي دوره غنيّاً نديّاً، ممتعاً ومفيداً.
ومع هذه الحياة الجديدة بين هذه المراكز الثلاثة، يتعلم الطفل نصوصاً من الكتاب والسنة، ومن مصادر أدبية أخرى، تُغذّي فيه عزّة الإيمان وروابطه القويّة المتينة، التي تربط المسلمين أمّة واحدة في الأرض، نقيّة من العصبيات الجاهلية التي حرّمها الإسلام: "... إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ..." (الحجرات: من الآية10)".
مرحلة السنة العاشرة إلى السنة الخامسة عشرة:
ويتابع الدكتور النحوي مع الأطفال عند بلوغهم، قائلاً: " يبيّن لنا الإسلام هذه المرحلة وتميّزها من غيرها بقوله سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ... الآية" (النور: من الآية58)".
ويقول: "هذه مرحلة غيّة ثريّة يتزايد فيها العطاء ويتسارع، حيث تنمو لدى الطفل قدرته ووسعه الصادق الذي وهبه الله إياه، والذي سيحاسبه عليه، وتنمو كذلك قدرته على التفكير والخيال مع نمو زاده كلّه.
إن نمو الطفل في هذه المرحلة آخذ بالاتجاه إلى الرجولة وتحمّل المسؤولية والأمانة التي خُلِق للوفاء بها، ولا بد أن يكون توضيح هذه المهمة التي خُلق للوفاء بها جزءاً رئيساً من منهج هذه المرحلة.
وقد بيّن الله لنا غاية الحياة الدنيا والمهمة الملقاة على الإنسان فيها ليحاسَب عليها يوم القيامة، بيّنها لنا سبحانه وتعالى بأربعة مصطلحات نصفها من جوانبها الأربعة مع ظلالها، ثم فصَّلها تفصيلاً بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، وهذه المصطلحات الأربعة هي: العبادة، والأمانة، والخلافة، والعمارة.
ويتضح من ارتباط هذه الكلمات بعضها ببعض وضوح مهمة الإنسان في الحياة الدنيا وامتداد معنى العبادة في الإسلام، ليشمل كل عمل المسلم إذا أخلص فيه نيّته الواعية لله رب العالمين، واتبع في عمله شرع الله وخضع له. وجعل الله برحمته الوفاء بهذه المهمة التي خُلق الإنسان لها عهداً وميثاقاً مع الله سبحانه وتعالى، وجعل الوفاء بهذه الأمانة يتمّ من خلال ابتلاء وتمحيص لكل إنسان، ولكل أمة، وكان هذا المعنى من أكثر المعاني التي يؤكّدها القرآن الكريم".
ويضيف بالقول: " ومن أهم قواعد الإيمان والتوحيد التي يجب أن يتعلّمها الطفل في هذه المرحلة خاصة قضية النية وإخلاصها لله، ليعي الطفل حقيقة معنى النية وخطورتها، فتشرح له من خلال الآيات والأحاديث، ليدرك أن النية ليست تمتمة شفاه، ولكنّها تحديد لهدف رباني، وتحديد لدرب يوصف إلى الهدف، ليتحقق معنى في سبيل الله، وإعداد الوسائل والأساليب الربانية. وآيات أخرى كثيرة، ثم يأتي حديث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "إنما الأعمال بالنيّات..." موضحاً ومؤكداً معنى النيّة ودورها في ميدان الممارسة والتطبيق، فالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة نصوص أدبيّة رائعة غنية، تمد الطفل المسلم في هذه المرحلة باللغة والأدب والإيمان والعلم، وتمتدّ به النيّة إلى آفاق الكون وإلى ميادين السعي والعمل. ويوضّح للطفل أن هذه النية الواعية شرط لقبول العمل عند الله، وأنها بالصدق تكون إشراقة في النفس وجمالاً في العطاء، وأساساً للجمال الفني في النص الأدبي ومنطلقاً له، وأنّ النيّة ضرورية في كل عمل المسلم في كل ميادين السعي في الحياة، حتى يكون عمل المؤمن عبادة لله إذا استكمل الخضوع لشرعه. وتجتمع وسائل الإعداد والتدريب من خلال جميع الوسائل والنصوص على إعداد الطفل على تحمّل المسؤولية شيئاً فشيئاً، وعلى العمل المنهجي والتخطيط، والإدارة والنظام، وحسن تنظيم الوقت والاستفادة منه، ليرتبط عمله كلّه بالنيّة الصادقة الواعية لله، وليكون عمله كلّه عبادة وطاعة له".
المنهاج الفردي :
عن المنهج الفردي في تربية العقيدة الإسلامية لدى الأطفال، يقول الدكتور النحوي: " من أهم ما نوصي به في هذه المرحلة، بالإضافة إلى "مجلس العائلة" الذي سبق ذكره، "المنهاج الفردي" بمرونته وشموله وتكامله، المنهاج الفردي لكل مسلم ليتعلّم من خلاله الاعتماد على نفسه، واحترام مسؤولياته، والتدرّب على النهج والتخطيط والإدارة، وتنظيم الوقت وإدارته، وتغذية الإيمان والتوحيد، مصاحبة منهاج الله مصاحبة منهجيّة مصاحبة عمر وحياة، والتقويم وكثير غير ذلك، ويكون الأدب الإسلامي من أهم بنوده، ليساهم الأدب الملتزم بالإسلام في بناء العقيدة الصحيحة".
الواقع:
ويختتم محاضرته القيّمة بالقول: "ينمّى في هذه المرحلة في الطفل وَعْي الواقع حوله بصورة أكبر مما كان في المراحل السابقة، ليُصبح في هذه المرحلة موضوعاً رئيساً منهجياً يلقى العناية من البيت والمسجد والمدرسة، لأهميته في بناء العقيدة الصحيحة في قلب المسلم، وهذا الموضوع يعني دراسة الواقع من خلال منهاج الله والتدرّب على ردّ جميع الأمور إليه. ومنهاج الله، وكذلك النصوص الأدبية من أبواب الأدب المختلفة، عوامل أساسيّة في دراسة الواقع، ويمثّل "الواقع" ودراسته الركن الرئيس الثاني في النظرية العامة للتربية الإسلامية، حين يكون الركن الأول هو منهاج الله، وينهض الركنان الرئيسان على القاعدة الصلبة، الإيمان والتوحيد، الحقيقة الكبرى في الكون والحياة".
ويضيف "من خلال هذه النظرية ونظرية المنهاج الفردي ونظرية منهج "لقاء المؤمنين"، ليكون الطفل المسلم قد أُعدَّ لتحمُّل المسؤولية والوفاء بالمهمة التي خلقه الله لها، والتكاليف الربانية التي أُمِر بها، واستقرّت في نفسه معاني الإيمان والتوحيد، والخلق الإسلامي، ونهج التفكير الإيماني، ووعي الواقع وردّه إلى منهاج الله في حدود وسعه الصادق، ويكون قد نما زاده من الكتاب والسنّة واللغة العربية.
وأدب الأطفال الإسلامي يجب أن يساهم في بناء هذه المبادئ والقواعد والمناهج في قلب الطفل المسلم حتى تستقرّ العقيدة الصحيحة في حياته دون خلل أو اضطراب أو شرك".________________
(*) من محاضرة للدكتور عدنان علي رضا محمد النحوي بعنوان : ( أثر أدب الأطفال الإسلامي في تربيتهم العقدية الصحيحة) .
--------------------------------------------------------------
من موقع المسلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق