- بلادى توداى
- 6:26 ص
- تحليلات هامة
- لا توجد تعليقات
مجدي حسين
لا يعلم كثير من الشباب أنه فى عهد الخديوى إسماعيل (1863-1879) امتدت حدود مصر من البحر المتوسط شمالا إلى كل السودان جنوبا, ثم إلى منابع النيل على خط الاستواء حتى بحيرة ألبرت وفيكتوريا, وأن أوغندا كانت جزءا من الدولة المصرية!!
وأن ملك أوغندا بايع الخديوى إسماعيل! وأن المملكة المصرية امتدت على طول ساحل البحر الأحمر حتى باب المندب وما بعده إلى المحيط الهندى! وهو ما يشمل الآن
سواحل السودان وارتريا وجيبوتى والصومال حتى تخوم تنزانيا، بالإضافة لبعض أجزاء من الحبشة! وقد كان ذلك امتدادا واستمرارا لقوة دفع مشروع محمد على جد الخديوى إسماعيل. وقد كان من عبقرية محمد على وخلفائه أنهم لما سدت عليهم طرق التمدد للشام بالاتفاقات والضغوط الدولية، رأوا التمدد جنوبا فى المجال الطبيعى لنشأة مصر وتكوينها. ورغم أنه فى العصور السحيقة التى تبدأ بالفراعنة لم تكن هناك مخاطر على منابع النيل من بناء سدود أو غيره، ولكن فطرة الإنسان الطبيعى أنه يتجه للبحث عن أسباب حياته، فكان الفراعنة يواصلون رحلات استكشاف منابع النيل. وفى عهد مبارك عندما نستدير لأصل وجودنا، وعندما يصبح السفر لفرنسا وإيطاليا أهم من منابع النيل. فهذا نوع من الخلل العقلى أو انحراف فى الفطرة، كما يفعل الفلاح الذى يترك أرضه الخصبة، ويذهب للتسول فى المدينة! إنها قصة تصيب المرء بالدوار كيف كانت عقلية حكام مصر واسعة الأفق فى ذلك الزمان, وقد تعلمنا فى صغرنا ألا نفعل سوى سبهم وتذكر كوارثهم وسلبياتهم التى لا شك فيها (الأخطاء فى مشروع قناة السويس وإسقاط مصر فى المديونية) دون أن نتذكر الجوانب المشرقة كى نبنى عليها, وأعنى بالتحديد مشروع محمد على، فلم يكن إسماعيل إلا امتدادا لهذا الفكر, كما أنه لم يأخذ من جده (محمد على) الحذر فى التعامل مع الأوروبيين، حيث كان يأخذ منهم الخبرة دون أن يسمح لهم باختراق السلطة المصرية.
وهذه القصة تستحق أن تروى وتحفظ, رغم أنها غير مرشحة للتنفيذ فى القرن الواحد والعشرين بذات الأساليب العسكرية, ولكن يظل جوهر الرؤية واحد, أن الامتداد الطبيعى لمصر والازدهار يرتبط بالاتجاه جنوبا كمحور أساسى (وليس على حساب الشرق: الشام)، لأن فى الجنوب منبع حياة مصر, وأيضا لأنها مناطق متعطشة للحضارة المصرية الأكثر تطورا, وأن المصريين بحكم التقارب الثقافى مرحب بهم، وأنهم يتمددون بدون خوض معارك حربية بالمعنى المفهوم.
فى عام 1865 تقدم الجيش المصرى جنوبا, وبدأ بالوصول إلى فاشودة فى عهد جعفر صادق باشا الذى كان حكمدار السودان. ولفاشودة أهمية كبرى, فهى مفتاح النيل الأعلى لوقوعها على ملتقى الطرق المختلفة الواصلة من الخرطوم والحبشة إلى جنوبى السودان، وعلى مقربة من ملتقى روافد النيل: نهر السوباط وبحر الغزال والنيل الأبيض وبحر الزراف، وهى نقطة الاتصال بين السودان وجهات خط الاستواء (وهى تقع فى جنوب السودان الحالى) ومن يملكها يضمن النفوذ فى شمالى السودان وجنوبه إلى البحيرات الاستوائية، فلا غرو أن يكون لها مكانة كبيرة فى الوجهتين السياسية والاقتصادية. وكان محمد على الذى يعتبر إلى حد كبير راسم خريطة السودان الحديث قد ضم سواكن (وهى منطقة ساحلية سودانية حاليا على البحر الأحمر) ومصوع (وهى ارتريا) إلى حدود مصر, حتى يصبح السودان مطلا على البحر الأحمر, وقد ضمها بطريق الإيجار من السلطة العثمانية. ولكن تمكن إسماعيل فى عام 1866 من استصدار فرمان بإلحاق سواكن ومصوع بمصر نهائيا. ومحافظة سواكن تمتد على البحر الأحمر من رأس علبة (وهى فى مصر حاليا) إلى رأس قصار. ومحافظة مصوع امتدت من رأس قصار إلى حلة عند بوغاز باب المندب. (يتعرض باب المندب الآن لنفوذ صهيونى وغربى من خلال جيبوتى، واليمن سلمت باب المندب لتسهيلات أمريكية, ولم يعد بإمكانها أن تغلقه فى وجه الصهاينة كما فعلت فى حرب 1973), ولم تكن تبعية باب المندب والصومال لمصر بالأمر الجديد فى عهد إسماعيل, فقد كان الأمر كذلك كلما كانت بمصر دولة بحق وحقيقة (فى العهد الفرعونى وفى العهود الإسلامية) ويتردد الآن حديث عن نمو العلاقات بين إيران وإرتريا فى المجال العسكرى وهذا أمر جيد، ولكن أين مصر؟!
فهذه خاصرتها: البحر الأحمر وباب المندب, ومصر هى التى بنت ميناء مصوع (الارترى حاليا) فمدينة مصوع كانت قائمة على جزيرة فى البحر، وفى عهد إسماعيل تم الوصل بينهما وبين اليابسة بجسر طوله 1800 متر وعرضه 10 أمتار, وتم إنشاؤه سنة 1872 (لاحظ منع مبارك بناء جسر مع السعودية!!) فعمرت المدينة واتسعت، وبنى فيها ديوان المحافظة، وآخر للجمارك، ومساكن للمواطنين, وشيدت بها قلعة منيعة، وأنشئت ترعة صغيرة لتوصيل المياه العذبة إلى سواكن، وهذه الترعة تستمد الماء من خزان أقيم لجمع مياه الأمطار فى سفح جبل قريب من المدينة. (لاحظ أننا فى عهد مبارك لا نعرف كيف نستفيد من أمطار وسيول سيناء!).
أما على مستوى التقدم نحو منابع النيل فقد تقدم الجيش المصرى 1870 جنوب فاشودة وبدون قتال, حتى وصل إلى ملتقى نهر السوباط بالنيل, وبنى محطة هناك أسماها (التوفيقية) نسبة إلى توفيق ولى العهد، وكان الجيش يتقدم بأسطول قوامه ثلاثين سفينة وباخرتان.
وفى 1871 تم رفع العلم المصرى على غندكرو (فى السودان حاليا) وكان قد وصل إليها من قبل البكباشى سليم بك قبطان فى عهد محمد على، ولكن هذه المرة ضُمت رسميا إلى حدود مصر, وأقيم احتفال شارك فيه رؤساء العشائر الذين جاءوا من مختلف النواحى، وأصبح اسم غندكرو (الإسماعيلية) باسم الخديو إسماعيل. وكل ذلك بدون إطلاق رصاصة واحدة فقد كانت منطقة فراغ فى السلطة. وما تزال الرحلة مستمرة حتى أوغندا.. فإلى لقاء!!
وأن ملك أوغندا بايع الخديوى إسماعيل! وأن المملكة المصرية امتدت على طول ساحل البحر الأحمر حتى باب المندب وما بعده إلى المحيط الهندى! وهو ما يشمل الآن
سواحل السودان وارتريا وجيبوتى والصومال حتى تخوم تنزانيا، بالإضافة لبعض أجزاء من الحبشة! وقد كان ذلك امتدادا واستمرارا لقوة دفع مشروع محمد على جد الخديوى إسماعيل. وقد كان من عبقرية محمد على وخلفائه أنهم لما سدت عليهم طرق التمدد للشام بالاتفاقات والضغوط الدولية، رأوا التمدد جنوبا فى المجال الطبيعى لنشأة مصر وتكوينها. ورغم أنه فى العصور السحيقة التى تبدأ بالفراعنة لم تكن هناك مخاطر على منابع النيل من بناء سدود أو غيره، ولكن فطرة الإنسان الطبيعى أنه يتجه للبحث عن أسباب حياته، فكان الفراعنة يواصلون رحلات استكشاف منابع النيل. وفى عهد مبارك عندما نستدير لأصل وجودنا، وعندما يصبح السفر لفرنسا وإيطاليا أهم من منابع النيل. فهذا نوع من الخلل العقلى أو انحراف فى الفطرة، كما يفعل الفلاح الذى يترك أرضه الخصبة، ويذهب للتسول فى المدينة! إنها قصة تصيب المرء بالدوار كيف كانت عقلية حكام مصر واسعة الأفق فى ذلك الزمان, وقد تعلمنا فى صغرنا ألا نفعل سوى سبهم وتذكر كوارثهم وسلبياتهم التى لا شك فيها (الأخطاء فى مشروع قناة السويس وإسقاط مصر فى المديونية) دون أن نتذكر الجوانب المشرقة كى نبنى عليها, وأعنى بالتحديد مشروع محمد على، فلم يكن إسماعيل إلا امتدادا لهذا الفكر, كما أنه لم يأخذ من جده (محمد على) الحذر فى التعامل مع الأوروبيين، حيث كان يأخذ منهم الخبرة دون أن يسمح لهم باختراق السلطة المصرية.
وهذه القصة تستحق أن تروى وتحفظ, رغم أنها غير مرشحة للتنفيذ فى القرن الواحد والعشرين بذات الأساليب العسكرية, ولكن يظل جوهر الرؤية واحد, أن الامتداد الطبيعى لمصر والازدهار يرتبط بالاتجاه جنوبا كمحور أساسى (وليس على حساب الشرق: الشام)، لأن فى الجنوب منبع حياة مصر, وأيضا لأنها مناطق متعطشة للحضارة المصرية الأكثر تطورا, وأن المصريين بحكم التقارب الثقافى مرحب بهم، وأنهم يتمددون بدون خوض معارك حربية بالمعنى المفهوم.
فى عام 1865 تقدم الجيش المصرى جنوبا, وبدأ بالوصول إلى فاشودة فى عهد جعفر صادق باشا الذى كان حكمدار السودان. ولفاشودة أهمية كبرى, فهى مفتاح النيل الأعلى لوقوعها على ملتقى الطرق المختلفة الواصلة من الخرطوم والحبشة إلى جنوبى السودان، وعلى مقربة من ملتقى روافد النيل: نهر السوباط وبحر الغزال والنيل الأبيض وبحر الزراف، وهى نقطة الاتصال بين السودان وجهات خط الاستواء (وهى تقع فى جنوب السودان الحالى) ومن يملكها يضمن النفوذ فى شمالى السودان وجنوبه إلى البحيرات الاستوائية، فلا غرو أن يكون لها مكانة كبيرة فى الوجهتين السياسية والاقتصادية. وكان محمد على الذى يعتبر إلى حد كبير راسم خريطة السودان الحديث قد ضم سواكن (وهى منطقة ساحلية سودانية حاليا على البحر الأحمر) ومصوع (وهى ارتريا) إلى حدود مصر, حتى يصبح السودان مطلا على البحر الأحمر, وقد ضمها بطريق الإيجار من السلطة العثمانية. ولكن تمكن إسماعيل فى عام 1866 من استصدار فرمان بإلحاق سواكن ومصوع بمصر نهائيا. ومحافظة سواكن تمتد على البحر الأحمر من رأس علبة (وهى فى مصر حاليا) إلى رأس قصار. ومحافظة مصوع امتدت من رأس قصار إلى حلة عند بوغاز باب المندب. (يتعرض باب المندب الآن لنفوذ صهيونى وغربى من خلال جيبوتى، واليمن سلمت باب المندب لتسهيلات أمريكية, ولم يعد بإمكانها أن تغلقه فى وجه الصهاينة كما فعلت فى حرب 1973), ولم تكن تبعية باب المندب والصومال لمصر بالأمر الجديد فى عهد إسماعيل, فقد كان الأمر كذلك كلما كانت بمصر دولة بحق وحقيقة (فى العهد الفرعونى وفى العهود الإسلامية) ويتردد الآن حديث عن نمو العلاقات بين إيران وإرتريا فى المجال العسكرى وهذا أمر جيد، ولكن أين مصر؟!
فهذه خاصرتها: البحر الأحمر وباب المندب, ومصر هى التى بنت ميناء مصوع (الارترى حاليا) فمدينة مصوع كانت قائمة على جزيرة فى البحر، وفى عهد إسماعيل تم الوصل بينهما وبين اليابسة بجسر طوله 1800 متر وعرضه 10 أمتار, وتم إنشاؤه سنة 1872 (لاحظ منع مبارك بناء جسر مع السعودية!!) فعمرت المدينة واتسعت، وبنى فيها ديوان المحافظة، وآخر للجمارك، ومساكن للمواطنين, وشيدت بها قلعة منيعة، وأنشئت ترعة صغيرة لتوصيل المياه العذبة إلى سواكن، وهذه الترعة تستمد الماء من خزان أقيم لجمع مياه الأمطار فى سفح جبل قريب من المدينة. (لاحظ أننا فى عهد مبارك لا نعرف كيف نستفيد من أمطار وسيول سيناء!).
أما على مستوى التقدم نحو منابع النيل فقد تقدم الجيش المصرى 1870 جنوب فاشودة وبدون قتال, حتى وصل إلى ملتقى نهر السوباط بالنيل, وبنى محطة هناك أسماها (التوفيقية) نسبة إلى توفيق ولى العهد، وكان الجيش يتقدم بأسطول قوامه ثلاثين سفينة وباخرتان.
وفى 1871 تم رفع العلم المصرى على غندكرو (فى السودان حاليا) وكان قد وصل إليها من قبل البكباشى سليم بك قبطان فى عهد محمد على، ولكن هذه المرة ضُمت رسميا إلى حدود مصر, وأقيم احتفال شارك فيه رؤساء العشائر الذين جاءوا من مختلف النواحى، وأصبح اسم غندكرو (الإسماعيلية) باسم الخديو إسماعيل. وكل ذلك بدون إطلاق رصاصة واحدة فقد كانت منطقة فراغ فى السلطة. وما تزال الرحلة مستمرة حتى أوغندا.. فإلى لقاء!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق