- بلادى توداى
- 11:13 م
- أدب وفنون
- لا توجد تعليقات
ورود الحق تنشر لكم هذا الخبر : ـ
حملت ألسنة اللهب المتصاعدة من نوافذ «المجمع العلمي المصري» في شارع قصر العيني مع غبارها المتطاير جزءاً مهماً من تراث البلد وتاريخها. فحريق المبنى الأثري قد يكون أفدح الخسائر المادية للاشتباكات بين قوات الجيش والمتظاهرين والتي خلَّفت ثمانية قتلى وأكثر من 200 مصاب.
المبنى العريق يقبع عند مدخل شارع الشيخ ريحان الذي يتوسط المسافة بين ميدان التحرير وشارع مجلس الوزراء الذي كان مركزاً للاشتباكات، وظل طوال ليل أول من أمس بعيداً من أي خطر، إذ يفصل بينه وبين مبنى هيئة الطرق والكباري الذي احترقت بعض غرفه مبانٍ ملحقة بمقر البرلمان أهمها الجمعية الجغرافية. لكن ما إن اعتلى أشخاص بزي مدني، قال المتظاهرون إنهم من القوات الأمنية، سطح المجمع المكون من طابقين فقط وأمطروا المتظاهرين بالحجارة حتى أصبحت البناية مركزاً للاشتباكات خصوصاً أن قوات من الجيش تتمركز على بعد أمتار منها. ورد عشرات المتظاهرين على استهدافهم بالحجارة بالمثل، وظلوا على مدار ساعات يرشقون المبنى ومن يعتليه بالحجارة قبل يتطور الأمر إلى إلقاء زجاجات مولوتوف دخلت بعضها من شرفات البناية لتندلع الحرائق داخله.
وبدا أن انخفاض ارتفاع المبنى أغرى المتظاهرين بالانقضاض عليه للفتك بمن يعتلون سطحه فكسروا سوره الحديدي واقتحموه، حتى أن حديقته التي تحوي نباتات نادرة بدت مدمرة.
ألسنة اللهب، التي قاومها مبنى هيئة الطرق والكباري الخرساني، غذَّتها الكتب والأوراق والأسطح الخشبية في مبنى المجمع العلمي لتزداد توهجاً وتنتقل من غرفة لأخرى ملتهمة عشرات من أمهات الكتب ظلت على مدار قرون مثار فخر للباحثين والخبراء المصريين.
وفيما كانت قوات الدفاع المدني تسعى للسيطرة على الحريق لئلا تنهار البناية، وقف الأمين العام للمجمع الدكتور محمد الشرنوبي عند بوابته المحطمة والحزن يخيم على وجهه لفداحة الخسارة. وقال الشرنوبي بحسرة: «ليس مهماً القيمة المادية للمبنى والكتب. الأهم القيمة المعنوية، فهذه الكتب تمثل تراث مصر وتاريخها. أمهات الكتب دُمِّرت، ونسخ أصلية لكتب نادرة حرقت».
ومن أهم مقتنيات المجمع، الذي أسس في العام 1798 بقرار من نابليون بونابرت، النسخة الأصلية من كتاب وصف مصر بمجلداته العشرين، وأصول الكتب التي خطها الرحالة الأجانب الذين زاروا مصر في القرون الـ 16 و الـ 17 و الـ 18 ومن أبرزها كتابات الرحالة ديفيد روبرتس، إضافة إلى كتب نادرة اقتناها المجمع في إطار اتفاقات تبادل مع المجامع المماثلة خصوصاً المجمع الفرنسي، إضافة إلى إهداءات من أعضاء المجمع الأجانب في قرون ماضية.
كما احتفظ المجمع على مدى سنوات بنحو 700 كتاب من «نوادر المطبوعات»، وهي كتب طُبعت في أوروبا في القرنين الـ 17 و الـ 18 ولم يتبق منها إلا 3 أو 4 نسخ على مستوى العالم حرقت إحداها في المجمع العلمي المصري.
وقدَّر مدير ادارة الإعلام في مكتبة الإسكندرية خالد عزب قيمة محتويات المجمع بنحو 100 مليون جنيه مصري.
وأوضح أن بعض الكتب تمت رقمنتها في مكتبة الإسكندرية، لكنه أشار إلى أن الرقمنة لا تساوي شيئاً أمام النسخة الأصلية.
فى سياق متصل أجمع عدد من المؤرخين علي أهمية المجمع العلمي الذي احترق بشارع قصر العيني نتيجة الاشتباكات الأخيرة بين قوات الأمن والمتظاهرين، وطالبوا بسرعة حصر الأضرار التي وقعت علي الوثائق والكتب الذي يضمها المجمع، كما أكدوا علي ضرورة التحقيق في مثل هذة الواقعة التي وصفوها "بالكارثة" وفقا للخبر الذى أوردته صحيفة الأهرام .
وكان محمد الشرنوبي أمين عام المجمع العلمي المصري قد أكد في تصريحات تليفزيونية أن الحريق الذي شب في مبنى المجمع المجاور لمقر رئاسة الوزراء نتيجة إلقاء زجاجات المولوتوف أتلف كل محتوياته تماما التي تمثل تراث مصر القديم، وأن احتراق هذا المبنى العريق بهذا الشكل يعني أن جزءا كبيرا من تاريخ مصر انتهى"، مطالبا بضرورة الكشف عن المسئولين عن هذا الحريق.
الجدير بالذكر أن المجمع العلمي المصري أنشأ في القاهرة 20 أغسطس عام 1798 بقرار من نابليون بونابرت وهو مبني أثري عتيق من معالم مصر، كان مقر المجمع فى دار واحد من بكوات المماليك فى القاهرة ثم تم نقله إلى الإسكندرية عام 1859 وأطلق عليه اسم "المجمع العلمي المصري" ثم عاد للقاهرة عام 1880، ويقدم المجمع أبحاث و دراسات عن أحداث مصر التاريخية ومرافقها الصناعية.
وكان للمجمع المصري أربع شعب : الرياضيات ، و الفيزياء ، و الاقتصاد السياسي ، و الأدب و الفنون الجميلة و في عام 1918 أصبح مهتماً بالآداب و الفنون الجميلة و علم الآثار ، و العلوم الفلسفية و السياسة ، و الفيزياء و الرياضيات ، و الطب و الزراعة و التاريخ الطبيعي.
وبالمجمع المصري مكتبه تضم نحو 40.000 كتاب من أمهات الكتب أهمها علي الإطلاق كتاب وصف مصر، و له مجلة سنوية و مطبوعات خاصة.
وأكد د. عماد أبو غازي وزير الثقافة السابق وأستاذ الوثائق في قسم المكتبات والوثائق والمعلومات بجامعة القاهرة أن المجمع قيمة علمية كبيرة ويضم مكتبة من أهم المكتبات المتخصصة في تاريخ مصر، وبها تراث لا يمكن تعويضه، فهو مجهود 200 عام ، لذا فهو خسارة لا تعوض وإحراقه جريمة لن تغتفر ولن يغفرها التاريخ لمن ارتكبها، وأضاف قائلا "أتعجب من أن النيران نشبت به منذ أمس ولم يتحرك أحد لإطفائها، فكان يمكن حماية المبني والوثائق".
وقال د.محمد عفيفي رئيس قسم التاريخ بجامعة القاهرة إن المبنى كان يمكن إنقاذه بوسائل متعددة مثل الطائرات التي يمكن أن تطفيء نيرانه، لأن هناك تاريخا وحضارة بلد تم تخريبها، مثلما حدث في الأيام الاولي من ثورة يناير للمتحف المصري والسرقة التي تعرض لها رغم إنكار زاهي حواس لتلك السرقة، والمشكلة الأكبر أن الإدارة في مصر لا تحترم الثقافة ولا الحضارة .
وأوضح عفيفي أن معظم الوثائق ترجع إلي فرنسا ويمكن بعد الحريق أن تطالب بحقها، كما أن المشكلة لا تتمثل في المبني لأن يمكن ترميمه، والمشكلة الأكبر في الوثائق والنسخ النادرة من الكتب والدوريات، وكان علي الأمن بدلا أن يحرص مبني البرلمان أن يحرص مبني مثل المجمع العلمي، ولابد الآن من عمل جرد للوثائق ومعرفة المتبقي والمحترق كما أن من الممكن أن يكون تعرض للسرقة وقت الحريق.
وأشار د.خالد عزب الباحث في الوثائق إلي أهمية المجمع مؤكدا أنه يضم في عضويته أهم 100 عالم مصري في مجالاتهم، وتعرضه للحريق في وقت مثل هذا له دلالة سيئة علي مصر، ومكتبته تضم نوادر المطبوعات الأوربية والتي يوجد منها نسخ نادرة علي مستوي العالم والتي لا تخص المصريين فقط، كما يضم كتب الرحالة الأجانب، ونسخ للدوريات العلمية النادرة منذ عام 1920، والتي يمكن ألا يكون لدينا في مصر نسخ أخرى منها، وهذا يفتح أمامنا موضوعا آخر حول تأمين مثل تلك المباني الأثرية والتي تضم وثائق نادرة.
وأضاف عزب أن الخطورة تكمن في الجمعية الجغرافية المجاورة للمجمع والتي تحتوي علي كنوز تتعدى 6 مليارات جنيه، بخلاف المتحف الإفريقي، والتي تحتوي علي تراث يرجع إلي القرن السابع عشر من خرائط وكتب، وتعد الجمعية من أقدم 6 جمعيات جغرافية علي مستوي العالم وهي الوحيدة خارج أوروبا وأمريكا، وإذا تعرضت هي الأخرى للتلف فنحن أمام كارثة لا يمكن وصفها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق