- بلادى توداى
- 3:40 ص
- أسرتنا المسلمة
- لا توجد تعليقات
سأل سائل قائل ً:
السلام عليكم، أنا أسكن مع أهلي؛ خالي وابن خالي، في شقة واحدة، ويعلم الله أن 90% من معاملاتي معهم كانت بالإحسان، ونادرا ما أقابل الإساءة بالإساءة أو أبدأ أنا بالإساءة.
وعندما أردت أن أترك الشقة، لأني مسافر نهائياً من الكويت، وأردت أن أسكن مجاناً مع أحد أقاربي لمدة بسيطة لحين موعد السفر، وكان الوقت بالنسبة لهم أي وقت ترك المنزل حرج إلى حد ما- رغم أني أعطيتهم مدة أكثر من العرف المعمول به في الكويت مراعاة للوقت الحرج- ثارت ثائرتهم واتهموني بالمكر واللؤم والأنانية؛ لأني أريد أن أدخر النقود على حسابهم لأنهم لن يستطيعوا أن يأتوا بالبديل بالسرعة الكافية.
فرأيت في الأمر مشكلة، وأنها سوف تؤدي إلى قطيعة رحم، ومشاكل بين العائلات، فآثرت ذلك على نفسي، وعلى ادخار النقود، فأضفت مدة جديدة على حسابي سوف أدفعها لو لم يأتوا بالبديل، وخرجنا من الجلسة في حالة من الرضا التام، وانتهى الموضوع.
وفوجئت بعد ذلك أنهم يتكلمون عني، عند أقاربي الآخرين، بأني غير ملتزم أدبياً، وبدأوا يفترون عليّ، في أشياء أخرى في المنزل أيضاً، بأني غير متعاون، وعلى هذه الوتيرة، ونسوا كل خير فعلته معهم، وذكروا السيئ فقط
فالآن هم لم يتقوا الله في أن يسردوا القصة زيادة أو نقصا، وسردوها بالأسلوب الذي يظهرني على خطأ أمام الناس، لما في قلوبهم من كره وحقد، وصدقني فضيلتك فليس هناك ما يستحق كل هذا.
فما موقفي من هذا الكلام الذي يقال عني؟، علما بأني أخشى أن تنزعج أمي من أن يقال على ابنها ذلك، وقد أخبرتها بموقفي وموقفهم من الشقة، وقالت لي ربنا يعوض عليك الشهر الذي دفعته، ابتغاء صلة الرحم وهذه بالفعل كانت نيتي.
لقد اشتريت صلة الرحم بإيجار الشهر الذي كنت سأوفره، والحمد لله، وأنا الآن أسأل عن موقف المسلم مع من يكذب ويفتري علية في ظهره.. كيف يتعامل معه؟، وكيف يتعامل مع الموقف بصفة عامة؟ هل يدافع عن نفسه أم الأفضل ألا يكترث بما يقال عنه؟
يقول الأستاذ جمال عبد الناصر - من فريق الاستشارات الإيمانية :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد.
ردي على استشارتك – يا أخى الحبيب - بعون الله يتخلص في النقاط الآتية :
الدنيا دار ابتلاء لا دار نعيم.
صلة الرحم ومكانة الواصل.
ترك القيل والقال.
آللـــــهُ أم الناس؟
أولا : الدنيا دار ابتلاء لا دار نعي
هون عليك- أخي الحبيب- فهذا هو حال الدنيا فهي دار ابتلاء وليست دار نعيم، والمسلم لا بد له أن يتحلى بالأخلاق الحسنة، مهما كانت الظروف والأحوال، يقول ربنا جل وعلا: {الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت: آية 1-3 )، والفتنة المذكورة في الآية الكريمة للابتلاء والاختبار.
ووسائل هذا الابتلاء، وذلك الاختبار، كثيرة، ذكر الله شيئا منها في قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (البقرة: آية 155-157)
كما أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "مثل المؤمن مثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كشجرة الأرزة لا تهتز حتى تستحصد".
كما ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- أن الابتلاء يكون على قدر الإيمان، فكلما زاد الإيمان زاد الابتلاء والاختبار، فقال- صلى الله عليه وسلم- : "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل". وقال: "يبتلى الرجل على قدر دينه". والمطلع على سيرته- صلى الله عليه وسلم- يجد أنه ابتُلي بما لم يبُتلَ به بشر، فصبر كما صبر إخوانه من أولي العزم من الرسل- عليهم السلام-
لا يخفى على أحدٍ أنَّ الحياة الدنيا مليئة بالمصائب والبلاء، وأنَّ كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ عرضة لكثيرٍ منها: فمرة يُبتلى بنفسه، ومرة يبتلى بماله، ومرة يبتلى بحبيبه، وهكذا تُقلَّب عليه الأقدار من لدن حكيم عليم. ونجد أحيانا أن البلاء يشتد على أهل الإيمان أكثر مما يحصل لغيرهم، وإذا لم يحمل المؤمن النظرة الصحيحة للبلاء فسوف يكون زَلَـلُهُ أكبر من صوابه، ولاسيما أن بعض المصائب تطيش منها العقول لضخامتها وصدمتها، والعياذ بالله.
ولا بد للمسلم أن يستشعر الحكمة من البلاء؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يبتلينا ليعذبنا، بل ليرحمنا، فعلى المؤمن أن ينظر إلى البلاء هكذا، سواء كان البلاء فقداناً للمال أو الصحة أو الأحبة أو القرابة.
نعم نحن في دار امتحان وابتلاء، فنحن في قاعة امتحان كبيرة نُمْتحن فيها كل يوم والآخرة هي دار الجزاء، وكلنا ممتحن في كل ما نملك وفي كل ما يعترينا في هذه الحياة حتى نلقى الله، وليس في هذه الدنيا من لا يمتحن، وكيف لا وقد ابتلى الله الأنبياء ففي الحديث الصحيح: "أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل…" [رواه البخاري]. ولكن في هذا الامتحان من يصبر فيفوز، كما أن هناك من يجزع ويعترض على الله -والعياذ بالله- فيخسر ويشقى.
ورحم الله الفضيل بن عياض حين قال: "الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم؛ فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه".
إنَّ الله تعالى قسم بين الناس معايشهم وآجالهم، قال تعالى: {نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم معِيشَتَهُم في الحَياةِ الدنيَا} [الزخرف: 32 ]. فالرزق مقسوم، والمرض مقسوم، والعافية مقسومة، وكل شيء في هذه الحياة مقسوم.
فارضَ أخي الحبيب بما قسم الله لك، ولا تجزع لما نزل بك، ولا تكره القدر، ولا تسب الدهر، فإن الدقائق والثوانـي والأنفاس كلها بيد الله تعالى يقلبها كيف يشاء، فيُمرِض من يشاء، ويعافي من يشاء، ويبتلي من يشاء ويرضي من يشاء ويغضب من يشاء والقلوب بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء.
وما دام الأمر كذلك فسلِّم أمرك لله أيها الأخ المبتلى، واعلم أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن من يريد أن تكون الحياة على حال واحدة، فكأنما يريد أن يكون قضاء الله تعالى وفق هواه وما يشتهيه. وأنى له من ذلك.
ثانيا : صلة الرحم ومكانة الواصل :
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام"، هذا حديث عظيم جدا، وتوجيهي جدا في وجوب صلة الأرحام بين الأقارب.. كيف لا، والرحم معلقة -كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم- بعرش الرحمن -وما أدراك ما عرش الرحمن!!!- تقول: "وصل الله من وصلني وقطع الله من قطعني"
إن صلة ذوي الرحم والقرابة فإنها تنسئ العمر، وتبارك في الرزق، وتدفع أقدار السوء.. كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من جهة أخرى عليك أن تتوسل في زيارة عائلتك بالرفق والحلم والتؤدة، فاحرص ألا تخسر مودتهم وقربهم، وحاول بشتى الطرق والوسائل -والله عز وجل يأجرك على ذلك أجرا عظيما- أن تتحبب إليهم، وتحثهم باللفظ الرقيق والعبارة الطيبة على عظم صلة الأرحام، وما يدخر الله عز وجل لصاحبها وصاحبتها من عظيم الأجر والثواب في الدنيا والآخرة.
ثالثا : ترك القيل والقال :
أخي الكريم.. إن القلب الميت هو القلب الذي لا يخشع ولا يلين، ولا يألف ولا يرحم، وصاحبه رديء النفس، ويكره الوحدة، ويميل للاجتماع، ويحب القيل والقال والهذر، وترى صاحب القلب الحي عكس ذلك.
وأما القيل والقال الذي نهى عنه الرسول الكريم فالمُراد به هو تضييع الجهد والوقت في كلام يقوم على الظن أو الإشاعة أو التوهم، دون أن يكون به مصلحة أو فائدة، وأمثال هذا الكلام مَفسدة أي مفسدة، وهو يَمْحَق جهودًا وأوقاتًا كان ينبغي أن يستفيد بها أصحابها في إدراك غاية، أو نيل منفعة، بأن ينفقوها في جهد مُثمر أو عمل مُنتج، حتى يُدركوا ما ينهض بهم وبأمتهم، وينالوا ما يجعلهم في الحياة سُعداء
وقال ابن الأثير رحمه الله: إن "القِيل والقَال" هو فضول ما يتحدث به المتجالسون من قولهم: قيل كذا، وقال كذا".
إن "القِيل والقال" هو كثرة الكلام بلا مُوجِب، وحكاية أقوال الناس، والبحث عمَّا لا يُجدي على الإنسان خيرًا، ولا يَعنيه من أمره، وهناك ارتباط بين كثرة السؤال والقِيل والقال، فإن كُلًّا منهما تضييع للوقت والجهد، وكل منهما اشتغال بما لا يُجدي ولا يُفيد.
رابعا: آللـــــهُ أم الناس؟:
اعلم أخي الحبيب أن توفيق الله لك في طاعته وفي شئون حياتك هو من حبه لك، وأثر هذا الحب يظهر في كل شئون حياتك، في حب الناس لك بل الكون كله، وفي الحديث القدسي "يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه...." فيظهر ذلك بعون الله تعالى ما دامت العلاقة بينك وبين الله عامرة، والمولى عز وجل يكون معك في كل شيء؛ ويظهر هذا الحب في معاملة الأقارب والزوجة، وحتى إنه يظهر في الدابة التي يركبها الإنسان.
أما غضب الله عز وجل فالإنسان يدركه ويحسه في بعده عن الله، وما ينتج عنه من نفور الناس، وفي عدم التوفيق حتى في اللفظ الذي يقوله.
إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أوضح لنا أن مخالطة الناس والصبر على أذاهم خير من العزلة عن الناس وإيثار السلامة؛ لذا أيها السائل الأخ أدعوك إلى حسن التعامل معهم وستجد الخير في هؤلاء الناس بعون الله تعالى، فاستعن بالله وادعه، واطلب تأييده وسيقويك على نفسك إن شاء الله.
وأختم كلامي معك ببيتين من الشعر لرابعة العدوية كثيرا ما أرددهما:
فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضابُ
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خرابُ
إن صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب ترابُ
وفقك الله لما يحب ويرضى، وأصلح حالك ووصل رحمك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
-----------------------------------------
إسلام أون لاين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق