- بلادى توداى
- 2:10 ص
- أبحاث ودراسات
- لا توجد تعليقات
مقدمة الكتاب
لا بد من وجود شيءٍ في حياتك قد بذلت الوقت والجهد معا من أجل تحقيقه. تذكر مثلاً عندما كنت طالبا في المدرسة وقد توالت عليك الامتحانات وذلك لإعدادك للانتساب لجامعة محددة وفق اختيارك الشخصي.
يعتبر معظم الشباب هذه الامتحانات نقاط تحول في مسيرة حياتهم لأنها ستحدد شكل حياتهم القادمة. ويمضون السنين استعداداً لهذا الحدث, فيسهرون لياليهم, وتقل نشاطاتهم الخاصة وتتقلص إجازاتهم وأوقات مرحهم. ويظلون نتيجة تركيزهم الكلي لدخول الجامعة يتحلون بالصبر ويحدوهم الأمل حتى ينجزوا أهدافهم.
والآن تأمل معي في أناس كان أكبر همهم امتلاك منزل جميل ملائم, فلكي يمتلكوا بيت الأحلام هذا لا بد من توفر القدرة المالية لديهم لشرائه, لذا تراهم يصلُون الليل بالنهار ليحصلوا على عملٍ ثم يأخذون بالترقي في المناصب العليا وينالون رواتب مرتفعة حتى يصبحوا قادرين على شراء أو بناء بيت الأحلام، وذلك بعد انقضاء سنين من بذل الوقت والجهد
هذا مثال فقط من بين أناس اجتهدوا بتصميم ثابت ولسنين طويلة كي يتغلبوا على كل التحديات التي قد تقف حجر عثرة بينهم وبين تحقيق أغراضهم وأهدافهم التي أولوها هذه القيمة الكبيرة. وإذا حاول هؤلاء الناس بالإضافة، إلى ذلك المضي في عملية تحسين أوضاعهم المادية ومكانتهم الاجتماعية, ومزيد تلميع صورتهم بين الناس فما عليهم إلا أن يبذلوا مزيدا من الجهود المضنية متغلبين على ما يعترضهم من صعوبات ... ومثلما يقال فقد "اقتطعوا جزءا من ذواتهم".
ولنتأمل معا الفكرة التالية: ما سبق من أمثلةٍ يعبر عن الرغبات العابرة في هذه الحياة الدنيا والتي ستزول بموت الإنسان, أو قد تضيع فجأة نتيجة حادث طارئ. وهناك بعض الأمثلة الأخرى: شاب يعمل بمثابرة سنوات عديدة ليجتاز الامتحان, ولكن للأسف قد يقضي نحبه حتى قبل دخول الامتحان. وهذا رجل لم يأل جهدًا في سبيل شراء منزل مناسب، ولكن فجأة شبّ حريق في منزله فقضى على جميع آماله.
أكثر الرغبات التي نلهث وراءها في هذه الحياة الدنيا, مهما بذلنا من مشقة في سبيل تحصيلها, ما هي إلا متع زائلة. ولكن هناك حياة أخرى حقيقية دائمة ذات طيبات خالدة, حياة يزيد عطاؤها ولا ينفد, حيث ينعم الإنسان فيها بالخلود, إنها حياة ما بعد الموت، هي الحياة التي يبذل المؤمنون قصارى جهدهم للوصول إليها, ويعتبرونها أسمى أمانيهم وأهدافهم واضعينها على الدوام نصب أعينهم.
لذا, فهذه الحياة الدنيا هي ميدان الاختبار الذي ينبغي لبني البشر أن يجتازوه ليحددوا أية حياة خلود سوف يحيونها في الآخرة , فهذا الامتحان الذي يخضعون له في الحياة الدنيا سيؤهلهم لدخول الحياة السرمدية في الآخرة. فما عليك والحال كذلك إلا اتباع رضوان الله عز وجل. وفي الحقيقة ما الحياة الدنيا سوى اختبار انتقالي وفترة تدريبية وهبها الله سبحانه لكل إنسان ليكون مسئولا عن التدبر فيها للوصول إلى معرفة الله سبحانه, وإطاعة أوامره والعمل على كسب رضاه, والتحلي بالفضيلة والصبر ومبادئ الأخلاق في مواجهة أي طارئ قد يحدث له طالما بقي على وجه هذه الأرض. ولا يعرف السر العظيم لهذا الامتحان سوى المؤمنين. فالمؤمن على يقين أن كل شيء أدرج في الامتحان هو من قدر الله سبحانه ابتداءً, ليقوى على مواجهة أي طارئ برباطة جأش كبيرة.
فهؤلاء الذين أدركوا هذا السر وفقاً لهذه الحقيقة الخفية الجلية في آن واحد, سينالون نعيماً مقيماً ما له من نفاد.
وهذا الكتاب يميط اللثام عن هذه الحقائق لأولئك الذين يجهلون ذلك السر العظيم, ويمضون أعمارهم دون التفكر في هذه الحقيقة الجلية, ويحثهم أن يضعوا لأنفسهم هدفاً يكون أسمى ما في هذا الوجود، قال تعالى:
( فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20) ( سورة البلد: 11-20 ) . والبقية تأتى تباعا بإذن الله .
هارون يحيى
هارون يحيى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق