- بلادى توداى
- 3:20 ص
- فلسطين
- لا توجد تعليقات
عبد الله الحسن
افتتاح كنيس الخراب يوم الإثنين 15/3/2010 في بلدة القدس القديمة، لم يكن سوى قمّة جبل الجليد في مشروع التهويد المتواصل الذي تتعرّض له المدينة، لتحويلها إلى مدينة يهوديّة الدين والثقافة والسكان. ومشروع الاحتلال الهادف لتهويد ليس جديدًا فهو قد بدأ منذ استكمال احتلال المدينة المقدّسة عام 1967، وكان موقع هذا المشروع على سلّم أولويّات المحتلّ يتغيّر بتغيّر الظروف السياسيّة والميدانيّة في دولة الاحتلال ومحيطها. ومنذ بداية العام 2000 ومع طرح أريئيل شارون لخطّة الانسحاب الأحادي ورؤيته لرسم حدود الدولة من جانبٍ واحد، أصبحت مسألة حسم مصير القدس وهويّتها إحدى أهمّ الأولويّات لدى المحتلّ
، بالتوازي مع رسم الحدود النهائيّة وفكّ الارتباط مع الفلسطينيّين من خلال الانسحاب الأحاديّ الجانب، وفي السنوات اللاحقة وعلى أثر حرب لبنان عام 2006 وحرب غزّة عام 2008 تراجعت فكرة الانسحاب الأحاديّ ورسم الحدود النهائيّة، لكنّ فكرة حسم مصير القدس حافظت على زخمها، بل اكتسبت مزيدًا من الأهميّة بعد أن أضحت المشروع الاستراتيجيّ شبه الوحيد الذي يملك فيه المحتلّ رؤيةً واضحة محددة الأهداف.
وقد انعكس ذلك على الأرض على شكل هجمةٍ تهويديّة غير مسبوقة طالت كلّ جوانب المدينة المقدّسة، بدءًا بمقدّساتها وعلى رأسها المسجد الأقصى الذي شهد خلال عام 2009 وحده افتتاح أكثر من 5 مواقع حفريّات جديدة أسفل منه وفي محيطه ليصبح بذلك عدد مواقع الحفريّات المحيطة به أكثر من 25 موقعًا، كما شهد المسجد خلال العام نفسه افتتاح كنيسين جديدين في محيطه أحدهما وهو كنيس حمام العين أقرب إلى المسجد الأقصى (على بعد 100م إلى الغرب منه فقط) من كنيس الخراب الذي افتتح مؤخرًا في حارة الشرف (الحيّ اليهوديّ)، وتضاعفت اقتحامات المتطرفين وأجهزة الأمن للمسسجد 4 أضعاف عن العام الذي سبقه لتبلغ 43 اقتحام، اشتملت على محاولاتٍ لإقامة طقوسٍ يهوديّة دينيّة في المسجد، وعلى مناورات أمنيّة، وعلى اقتاحاماتٍ لشخصيّاتٍ رسميّة بينها اقتحامٌ لوزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال المتطرّف "إسحق أهرونوفيتش"، الذي يعدُّ من الناحية الفعلية أرفع شخصيةٍ رسمية صهيونية تقتحم المسجد بعد احتلاله حتى يومنا هذا، إذ أنّ شارون عند اقتحامه للأقصى لم يكن يحمل صفةً رسميّة وإنّما كنا زعيم حزب الليكود.
ولم تكن الهجمة التهويديّة أقلّ وطأةً على سكّان المدينة المقدسيّين، إذ سحب الاحتلال هويّات الإقامة من أكثر من 4000 منهم في عامٍ واحد ما يعني فعليًّا طردهم من المدينة وحرمانهم من دخولها أو الإقامة فيها في المستقبل، كما حاول الاحتلال تهجير 1,500 آخرين من حيّ البستان جنوب المسجد الأقصى وتهجير مئاتٍ آخرين من حيّ الشيخ جراح شمال البلدة القديمة، ومحاولات التهجير هذه لا زالت مستمرّة ونجاحها متعلّقٌ أولاً بقدرة المقدسيين على الصمود وبالدعم الشعبيّ والماديّ الذي يتلقونه من محيطهم العربيّ والإسلاميّ.
أمّا الاستيطان فقد تضاعف منذ مؤتمر أنابوليس للسلام عام 2007 بعشرة أضعاف، وخلال العام الماضيّ وحده أقرّ الاحتلال بناء 12,000 وحدةٍ سكنيّة جديدة في مستوطنات شرقيّ القدس، ومن المتوقّع أن يبدأ الاحتلال ببناء عددٍ مماثلٍ أيضًا خلال العام الحاليّ، وإلى جانب بناء المساكن فقد أقرّ الاحتلال مخططًا لبناء شبكةٍ للقطار خفيف تصل بين كتلة أدوميم الاستيطانيّة شرقيّ القدس وبين مركز المدينة في محيط البلدة القديمة ومستوطنات جيلو وهار حوما وكتلة عتصيون الاستيطانيّة في الجنوب وذلك لتشجيع المستوطنين اليهود على الإقامة في هذه المستوطنات البعيدة عن مركز القدس التجاريّ والاقتصاديّ.
وحتى هويّة المدينة الثقافيّة والمعماريّة لم تسلم من مشروع التهويد، فقد أقرّ الاحتلال خلال العام الماضي اعتماد اسم "يروشلايم" كاسمٍ رسميّ للقدس حتى في اللغة العربيّة، كما أقر تغيير أسامء شوارع وأحياء القدس جميعها بما في ذلك البلدة القديمة والأحياء الفلسطينيّة إلى أسماءٍ عبريّة، وإضافةً لذلك فقد بدأ الاحتلال مشروعًا "لترميم البلدة القديمة" يهدف لتغيير الطراز المعماريّ لأبوابها وأزقّتها ومبانيها ليُصبح مشابهًا للطراز "الهيروديانيّ" المزعوم الذي يدعي الاحتلال أنّه كان سائدًا إبّان وجود اليهود في المدينة في عهد "المعبد الثانيّ".
نحن إذًا أمام مشروعٍ تهويديّ منهجيّ مبرمج يحظى بإجماعٍ سياسيّ، وتعمل فيه دولة الاحتلال بكلّ مؤسساتها، بالتعاون مع الجمعيّات الاستيطانيّة المدعومة من أثرياء اليهود والمسيحيين الصهاينة في الولايات المتحدة الأمريكيّة وأوروبا وأوستراليا، مشروعٌ تُخصّص دولة الاحتلال لدعمه أكثر من مليار دولار سنويّ، وتمدّه الجمعيّات اليهوديّة بأكثر من 250 مليون دولار أمريكيّ كلّ سنة.
ولكي نتعامل مع هذا المشروع ونواجهه علينا أن نفهمه وندرك أبعاده ووسائل عمله، فتهجير سكّان حيّ البستان مثلاً أو توسيع مستوطنةٍ في شمال القدس، يُوازي في خطورته على المدينة المقدّسة افتتاح كنيسٍ يهوديّ في البلدة القديمة، ومع ذلك فإنّ تلك الإجراءات تمرّ مرور الكرام دون أيّ ردّ فعل شعبيّ أو رسميّ يُذكر حتى من قبل فصائل المقاومة الفلسطينيّة، أو المعنيّين بالشأن المقدسيّ.
وحتّى ردّ فعلنا على بناء كنيس الخراب جاء متأخّرًا ودالاًّ على تقصيرنا في متابعة شؤون القدس والتفاعل معها، فالاحتلال أقرّ بناء هذا الكنيس منذ عام 2001 وبدأ ببنائه في عام 2006، ولو كان ردّ الفعل آنذاك مشابهًا للهبّة التي حصلت عند افتتاحه لربما ما كان ليُبنى في الأساس. ولا أقصد بكلامي هذا التهوين من الهبّة الشعبيّة التي حصلت أو تثبيط الهمم، فهي بكلٍ تأكيدٍ مثّلت رادعًا فعالاً للاحتلال سيدفعه على الأقلّ للتخفيف من وتيرة الهجمة التي تتعرض لها القدس وتأجيل حسم مصيرها لشهورٍ عدّة، لكنّ المقصد هو التأكيد على ضرورة فهم الواقع المقدسيّ وتقدير إجراءات المحتلّ بقدرها دون تهويلها كربط بناء كنيس الخراب بهدم المسجد الأقصى، ودون تبخيسها كأن يمرّ خبر تهجير 1,500 من المقدسيّين من الحاضن القريب للمسجد الأقصى مرور الكرام دون التفاتٍ أو ردّة فعل مناسبةٍ تردع المحتلّ وتُكرّس أهميّة المدينة لا لدى أهلها فقط بل بل لدى الجمهور العربيّ والإسلاميّ في كّل مكان.
-----------------------------------------------------------------------------
-----------------------------------------------------------------------------
* عبد الله الحسن
باحث في مؤسسة القدس الدوليّة
إسلام أون لاين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق