- بلادى توداى
- 7:01 ص
- أبحاث ودراسات ، شريعة ومنهاج الإسلام
- لا توجد تعليقات
سلسلة مواعظ الإمام ابن الجوزى
الفائزون
لله در أقوام أقبلوا بالقلوب على مقلبها، وأقاموا النفوس بين يدي مؤدبها، وسلموها إذا باعوها إلى صاحبها، وأحضروا الآخرة فنظروا إلى غائبها، وسهروا الليالي كأنهم وُكِّلوا بِرَعىِ كواكبها، ونادوا أنفسهم صبراً على نار حطبها، ومقتوا الدنيا فما مالوا إلى ملاعبها، واشتاقوا إلى لقاء حبيبهم فاستطالوا مدة المقام بها0
إِذا كُنتَ قُوتَ النَفس ثُمَ هجرتُها ... فَكَم تلبَثُ النَفس التي أَنتَ قوتها؟
ستبقَى بقاء الضَبِ في الماءِ أَو كما ... يَعيشُ ببيداء المهامه حوتهابعض العابدات كانت تقول: والله لقد سئمت الحياة حتى لو وجدت الموت يباع لاشتريته شوقاً إلى الله وحباً للقائه، فقيل لها: على ثقةٍ أنت من عملك؟ قالت: لا والله؛ لحبي إياه وحسن ظني به، أفتراه يعذبني وأنا أحبه
يا ناظرَ العينِ قُل هَل ناظرتَ عينِى ... إِليكَ يوماً وهَل تَدنُو مِنَ البين
اللَهُ يعلَمُ أَني بعدَ فُرقتُكُم كطائرٍ سَلَبوهُ مِن الجنَاحَين
ولَو قدِرتَ ركبتَ الريح نحوَكُم ... فإِنَّ بُعدِى عَنكم قد حَنَا حين
لله در أرواح تشتاق إلى روح قربة، وتلتذ عند ابتلائه بوقع ضربة، ويطول عليها الزمان شوقاً إليه لحبه، إن سألت عن صفاتهم، فكل منهم مخلص لربه مجتهد في طاعته، خائف من عتبه، قائم على نفسه باستيفاء الحق منها على قلبه وأنشد:
كيفَ يقعُدُ رقيبٌ مُشتاقٌ بحركةٍ ... إِليكُم الخافقانِ الشوق والأَمل
فإِن نهضتَ فما لي غَيرُكُم وطر ... وإِن قعدتَ فما لي عِندَكُم شغل
لَو كانَ لي يَدٌ ما اخترتُ غيركُم ... فكيفَ ذاكَ وما لي غيركُم بدل
ولم تعرض الأَقوام بعدكم يستأ ... ذنونٌ على قَلبي فَما وصَلوا
-------------------------------------------------------------
سارع إلى التوبة والإنابة
أيها العبد: راقب من يراك على كل حال، وما زال نظره إليك في جميع الأفعال، وطهر سرك فهو عليم بما يخطر بالبال، المراقبة على ضربين، مراقبة الظاهر لأجل من يعلم، وحفظ الجوارح عن رذائل الأفعال، واستعمالها حذراً ممن يرى، فأما مراقبة الباطن فمعناها أدب القلب من مساكنة خاطر لا يرضاه المولى، وأجد السير في مراعاة الأولى، وأما مراقبة الظواهر فهي ضبط الجوارح عن رذائل الأفعال، واستعمالها في معالي الأعمال، فمن كان مقامه المراقبة فحال المحاسبة0 قال سرى: الشوق والأنس يرفرفان على القلب فكان هناك الإجلال والهيبة حلا ولا رحلاً، ومن ظهر الخشوع على قلبه دخل الوقار على جوارحه0 قال حاتم الأصم: إذا عملت فانظر نظر الله إليك، وإذا شكرت فاذكر علم الله فيك0
وقال أبو الفوارس الكرماني: من غض بصره عن المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات، وعمر باطنه بدوام المراقبة، وظاهره باتباع السنةِ، وعود نفسه أكل الحلال لم تخطئ، فله فراسة:
كانَ رَقيباً مِنكَ يَرعَى خواطِري ... وآخرٌ يَرعَى نَاظِرِي ولساني
فما نَظرَت عينايَ بعدك منظراً ... لعمرك إِلَّا قُلتَ : قَد رمقاني
وَلا بَدَرَت مِن فِيَّ بَعدَكَ لَفظَةً ... لِغيركَ إِلَّا قُلتَ : قَد رمقاني
وَلا خَطَرَت فِي ذِكرِ غيركَ خَطرَةً ... على القَلبِ إِلَّا عَرجَا بعنان
وَفتيان صِدقٍ قد سمِعتَ كَلامُهُم ... وعُفِّفَ عَنهُم خاطِري وجِناني
وَما الدَّهرُ أَسلاً عنهُم غيرَ أَنَني ... أَراكَ على كل الجهاتِ تراني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق