- بلادى توداى
- 9:41 ص
- تحليلات هامة
- لا توجد تعليقات
خلق توقيع خمسة من دول حوض النيل العشرة حتي الان على الاتفاقية الإطارية لحوض النيل التي لا تعترف بحقوق مصر والسودان التاريخية الواردة في اتفاقيات 1929 و1956 في مياه النيل ، خلق واقعا جديدا وتحديا خطير للأمن المائي العربي بل ولا نبالغ لو قلنا إنه أطلق الرصاصة الأولي في أول حرب مياه حقيقة ينتظر أن يشهدها العالم في عدة مناطق أغلبها مناطق اشتباك عربية مع دول أخرى غير عربية ، حيث تشكل فيها الدول العربية دول مصب لا دول منبع مما يعرضها لأخطار حقيقية.
لهذا تعتبر أهمية إستراتيجية التعامل العربي فيما يخص أزمة مياه النيل أشبه بنموذج محاكاة يمكن أن تقتدي به باقي الدول العربية المهددة في مصادر مياهها أو تستفيد من دروسه مستقبلا بما لا يهدد الأمن المائي العربي الذي يتشابك مع التهديدات الصهيونية في العديد من المناطق التي يحتلها الصهاينة من الأراضي العربية في لبنان وسوريا وفلسطين.
الدور الصهيوني ينشط كذلك لضرب مصر والسودان من أعالي النيل عبر دعم مطالب باقي دول حوض النيل ( دول المنبع) ضد مصر والسودان وتقديم الدعم المالي والفني لبناء سدود أثيوبية وترع كينية بما يقلل من كميات المياه الواردة لمصر والسودان ويلهي البلدين في حرب مياه أفريقية تبعدهما عن مسار الصراع الصهيوني حيث تقوم النظرية الصهيونية علي ضرب وتحديد أي مصادر خطر على الدولة الصهيونية وإلهاء الدول الكبرى في مشاكل أخري .
وربما لهذا – ولأسباب أخرى - قرر المجلس الوزاري العربي للمياه في ختام دورته الثالثة التي عقدت بالجامعة العربية في يونيو الماضي برئاسة وزير الموارد المائية في الأردن، عقد دورة استثنائية للمجلس والمكتب التنفيذي واللجنة المعنية العلمية الاستشارية للمجلس في شهر سبتمبر المقبل، لإقرار إستراتيجية الأمن المائي العربي في صورتها النهائية بعد الموافقة عليها بصورة مبدئية. وأكد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية خلال الجلسة ضرورة التعامل مع مشكلة المياه بين دول حوض النيل بشكل من الهدوء والتفاهم المشترك وعلاج هذه القضية بشكل ثنائي .
من هنا تأتي أهمية تعاظم الاستثمارات العربية المشتركة في مجال المياه وزيادة الاستثمارات في مشروعات تحلية المياه والاستغلال الأمثل للموارد المائية ، وهي تكليفات أقرتها القمة العربية الاقتصادية والتنموية في مجال المياه خاصة إعداد إستراتيجية عربية للأمن المائي وتنفيذ مشروع الإدارة المتكاملة للمياه لتحقيق تنمية مستدامة في المنطقة العربية .
ومن هنا أيضا تأتي أهمية التنسيق العربي في المؤتمر الدولي السادس للمياه والمقرر عقده في مرسيليا عام 2012 حيث تم الاتفاق – في المجلس الوزاري العربي للمياه - على وجود خطاب عربي موحد وكيفية الحفاظ على موارد المياه الموجودة حاليا في المنطقة العربية وكيفية الاكثار من مصادر المياه مثل الاتفاق على الاستخدام السلمي للطاقة الذرية لتحلية المياه وتقليل تكلفة عملية التحلية.
فالتحديات التي تواجه المنطقة العربية في مجال المياه عديدة، خاصة أن 70% من الموارد المائية المتجددة تأتي إلى الدول العربية من خارج حدودها والدول العربية معظمها دول مصب وليس دول منبع، إضافة إلى تداعيات عملية التغيير المناخي وانخفاض حصة المواطن العربي من المياه المتجددة سنويا.
وتقع 19 دولة عربية تحت خط الفقر المائي منها 4 دول تحت خط العجز المائي وهذا يدق ناقوس الخطر بشأن مستقبل المياه في الوطن العربي ويبرز أهمية الإستراتيجية العربية للأمن المائي للحفاظ على الحقوق العربية للمياه سواء كانت سطحية أو جوفية وضرورة استخدام التقنيات الحديثة في مجال تحلية المياه .
هل وصل الخطر مداه في منطقة النيل ؟
واقع الأمر يقول أن خمسة من دول حوض النيل العشرة ، هي : أثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا ، وقعت في مايو 2010 على (الاتفاق الإطاري الجديد) الذي ينظم العلاقة بين دول حوض النيل والذي يتضمن 40 بندا لم يجري الاتفاق على البنود المتعلقة منها بأمن المياه حيث لا تزال مصر والسودان (دول المصب) يتمسكان بحقهما في حصتهما الحالية من المياه ( 55.5 مليار متر مكعب لمصر + 18.5 للسودان) ، وحقهما في الموافقة أو الفيتو (الاعتراض) على أي مشروع لدول أعالي النيل الثماني يؤثر على حصتهما من المياه .
توقيع الاتفاق قاطعته مصر والسودان ولم يوقعه عليه بعد أثنين من دول أعالي النيل (الكونغو وبوروندي) بالإضافة إلى دولة أريتريا كمراقب بعد استقلالها عن أثيوبيا ) ، ويحتاج إلى توقيع كل دول حوض النيل التسعة على الأقل (باستثناء أريتريا) كي يكون نافذا قانونيا ، ولأن دول أعالي النيل تدرك اعتراض مصر والسودان على الاتفاق ما لم يقر حقوق الدولتين في حصص ثابتة من المياه ، فقد أعطت المفوضية التابعة لهما مهلة للدول للتوقيع على الاتفاق الإطاري لمدة عام تنتهي في 13 مايو 2011 .
وقد دخلت الأزمة منعطفا خطرا جديدا بعد إعلان دولة الكونغو الديمقراطية عن نيتها توقيع الاتفاقية وإعلان بوروندي عن انضمامها للدول الموقعة على الاتفاقية الإطارية فور انتهاء الانتخابات الرئاسية بها ليرتفع بذلك عدد الدول الموقعة على الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل إلى 7 دول هي كل دول منابع النيل.
وفي حال توقيع بوروندي أو الكونغو الديمقراطية على الاتفاقية الإطارية "عنتيبي" تصبح الاتفاقية قانونية ومعترفاً بها وفقاً لدراسة قام بها مكتب استشاري قانوني دولي "فرنسي"، أوضح أن توقيع 6 دول من حوض النيل يجعل الاتفاقية قانونية ومعترف بها رغم وجود خلافات حول بعض بنود هذه الاتفاقية .
وبرغم تصريحات المسئولين المصريين والسودانيين المطمئنة بأن توقيع أي اتفاقية منفردة بين بعض دول الحوض يجعلها غير ملزمة لمصر أو السودان إلا أن تكتل الدول السبع الغير منفرد للتوقيع على الاتفاقية دون إعادة النظر في البنود الثلاث التي ترفضها مصر والسودان سيخلق واقعا جديدا وتحديا يصعب على دول المصب التحكم فيه .
وفقا للاتفاقيات المائية القديمة الموقعة في 1929 تصر مصر على عدم المساس بأمنها المائي (حصة 55.5 مليار متر مكعب) وضرورة الإخطار المسبق لكل من مصر والسودان بالمشروعات والسدود التى تنوى دول المنبع إجرائها على نهر النيل (المشهور بالفيتو المصري) ، كما تشترط ضرورة الموافقة بالإجماع بين دول حوض النيل على أية تعديلات تجرى على الاتفاقيات القديمة او أية تقسيمات جديدة لحصص نهر النيل وليس بالأغلبية كما تطالب دول المنبع.
هذه الشروط المصرية أصبح من الصعب البقاء عليها بعدما ألغتها الاتفاقية الإطارية وسمحت بالتالي لأثيوبيا ببناء ما تشاء من سدود ولكينيا وأوغندا بحفر ما تشاء من ترع لنقل المياه لأراضيها بما يقلل حصة المياه الواردة لمصر والسودان مستقبلا على مدار سنوات وفقا لمعدل تنفيذ هذه المشاريع !.
فمصر تعتمد على مياه النيل بنسبة 97% في حين أن بعض دول حوض النيل تعتمد على مياه النيل بنسب تتراوح بين 1% و 3% وقد تصل إلى 11% فقط من استخداماتها بسبب غزارة سقوط الأمطار هناك واعتماد الزراعة على الأمطار.
ولهذا بدأ المسئولون المصريون – بعد تهديدات في بداية الأمر بالحرب للحفاظ على حصة مصر من المياه – بالتهدئة والسعي لتفاهمات مباشرة وثنائية مع دول حوض النيل وفق إستراتيجية من الواضح أنها ارتكزت علي أسلوب ضخ استثمارات وفنيين ومشاريع مصرية زائدة لهذه الدول لتوفير مشاريع اقتصادية توثق العلاقات مع هذه الدول ولا ترفع من درجة العداء ، وفي الوقت نفسه السعي الحثيث لإقناع هذه الدول بمشاريع مصرية تركز على فكرة زيادة موارد النيل للجميع والاستفادة منها.
و يبلغ الحجم المتوسط السنوي للأمطار التي تسقط على دول أعالي النيل حوالي 900 مليار م3 سنوياً يمثل ما ياتي منها من مياه قرابة 137 – 144 مليار م3، بينما إيراد النيل طبقاً لآخر التقديرات لا يتجاوز 84 مليار م3، يأتي 72 مليار م3، أي 87% من مياه النيل من النيل الأزرق الذي ينبع من بحيرة تانا في أثيوبيا، بينما يأتي 13% من منطقة البحيرات العظمى أي حوالي 12 مليار م3 ، أي أن هناك كميات ضخمة من المياه تهدر ولا يجري الاستفادة منها ، ولهذا تقترح مصر بناء سدود وترع تتحكم في هذا الفاقد وتوفره للدول العشرة بما لا يخلق أزمة مائية مستقبلا .
الدبلوماسية الناعمة
في بداية الأزمة دعا خبراء مصريون لأسلوب القوة في التعامل مع الأزمة ودعا آخرون للدبلوماسية ودعا فريق ثالث للمزج بين الأسلوبين أي أن تلجأ الحكومة المصرية في التعامل مع ملف حوض النيل إلى مزيجٍ من القوة ممثلة في التلويح بالضرب وعدم التفريط في حقوقها المائية التي هي حق الحياة للمصريين ، وبين مزيجٍ من الاحتضان والاحتواء الكامل لدول حوض النيل ولمتطلباتهم، بالإضافة إلى تعزيز التواصل العملي معهم خصوصا أن مصر قصرت كثيرا في احتضان هذه الدول واستعمال (القوة الدبلوماسية الناعمة) معها وأهملتها تعليميًّا وسياسيًّا ودبلوماسيًّا وتنمويًّا، ما شجع دولا أخرى خصوصا إسرائيل وأمريكا للحلول محل مصر في إفريقيا وأعالي النيل .
ويقترح الرأي الثالث أن تلعب مصر بخياري العصا والجزرة مع دول أعالي النيل وفق درجات عدائها مع مصر أو قيامها بأعمال عدائية بالفعل عبر بناء سدود تحجز المياه عن مصر بصورة أو بأخرى.
وقد بدأ هذا بتصريحات نارية من مسئولين مصريين تحدثت عن استخدام القوة لمنع بناء سدود تحتجز مياه النيل عن مصر ، والأن جاء دور الدبلوماسية الناعمة خصوصا أنها غابت عن التعامل العربي مع دول أعالي النيل حتي سقطت في أحضان الصهاينة ما هدد الأمن المائي العربي في أخطر مناطقه .
هذا التوجه ظهر في صدور تعليمات مشددة من قبل الرئيس حسنى مبارك – بحسب مصادر لـ (إسلام أون لاين.نت) - على ضرورة تفعيل التعاون مع دول حوض النيل فى جميع المجالات وأن يحتل ملف الأمن المائي أقصى الأولويات في السياسة الخارجية المصرية.
التوجه ذاته ظهر في تصريحات الدكتور محمد نصر الدين علام وزير الري والموارد المائية المصري الذي قال أن التفاوض هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى التوافق وظهر فى تحرك آخر بتشكيل لجنة عليا للمياه ضمت عددا من مسئولي الخارجية و المخابرات العامة إلى جانب الري لإعداد ملف شامل عن مفاوضات حوض النيل والأسباب التى أدت إلى الوصول إلى حالة عدم التفاهم بين تلك الدول وعدم التوصل إلى حل حتى الان.
وكانت الترجمة العملية لهذا التوجه هو استقبال مصر العديد من مسئولي وقادة دول حوض النيل وزيارات لكبار المسئولين لأثيوبيا خصوصا ، والمشاركة في اجتماعات حوض النيل في أثيوبيا نهاية يونيو الماضي والدعوة لاجتماع جديد في القاهرة لبحث نقاط التعاون وحل الخلافات، وجرى التركيز في التحركات المصرية على بوروندي والكونغو لمنعهما من التوقيع على الاتفاقية الإطارية .
ومن الملاحظ في المشهد تقصير عربي خطير في التواصل مع دول حوض النيل، والأمر لا يخص أمن مصر المائي أو القومي فقط وإنما الأمن العربي القومي المائي العربي ككل، ويتمثل ذلك في غياب الدور العربي في الاستثمار في بلاد منابع النيل كبديل عربي مضمون يصون الأمن القومي المصري – والعربي بالتبعية – بدلا من ترك المجال للتمويل الإسرائيلي والأمريكي.
وبرغم وجود صناديق استثمار عربية تعمل في أفريقيا ، فهي أغفلت – ربما لأسباب أمنية أو لأخطاء إستراتيجية – الاستثمار في مشاريع النيل ليتكرر الخطأ العربي في إهمال الاستثمار في جنوب السودان لجعل الوحدة جاذبه مع الشمال ، ثم الخطأ في إهمال الاستثمار في مشاريع السدود والري في منابع النيل للصهاينة والأمريكان ، ما يؤكد الخلل في الفكر الاستراتيجي العربي وعدم استغلال "سلاح المال" في تدعيم الأمن القومي العربي .
وكي لا يقال أنه لا ناقة للعرب ولا جمل في مسالة مياه حوض النيل هنا ، نشير لأن السودان لا يزال مرشحا ليكون هو سلة غذاء العالم العربي ، وأن هناك فجوة غذائية في العالم العربي تصل إلى حوالي 60 مليار دولار سنوياً هي الفرق بين الصادرات والواردات العربية ، وأن نسبة الاكتفاء الذاتي العربي في مجال الغذاء لا تزيد عن 39% ، والغذاء لا يأتي بدون مياه !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق