- بلادى توداى
- 6:50 ص
- تحليلات هامة
- لا توجد تعليقات
بقلم : ضياء رشوان
أثارت الاحتجاجات التى تجرى فى قنا على تعيين محافظها الجديد اختلافات واسعة فى مصر بين شرائح الرأى العام والنخبة والإعلاميين بمختلف فئاتهم حول مشروعيتها ومدى تعبيرها أو تصادمها مع مصالح أهل قنا والمصالح الوطنية العامة. ولم تقف تداعيات احتجاجات قنا عند هذا الجدل الذى لم ينته بعد، بل امتدت إلى أبعد من ذلك حيث اندلعت احتجاجات مماثلة فى عدد آخر من محافظات الجمهورية ضد محافظيها الجدد مع ثبات نفس المطلب القنائى برفضهم والدعوة لاستبدالهم بآخرين، وهو الأمر الذى على وشك أن يجعل من الوضع فى قنا حالة عامة تنتقل من محافظة لأخرى فى مصر.
●●●
والحقيقة أن الأوضاع فى قنا والتى كانت هى بداية هذا التصاعد ليست كلها على الصورة التى نقلتها بعض وسائل الإعلام وتناولتها بعض الأقلام والتعليقات والمقالات. فاختصار الاحتجاجات فى قنا على أنها ذات طابع طائفى موجه لديانة المحافظ الجديد ليس دقيقا تماما على الرغم من أن ذلك هو ما يبدو طافيا على سطح المشهد هناك. فقد كان محافظ قنا السابق مسيحيا ولم يلق أية احتجاجات عند تعيينه فيها ولا أثناء بقائه بها ما يزيد على خمس سنوات بسبب ديانته، وإنما كانت كل الاعتراضات والانتقادات له من المسلمين والمسيحيين مركزة على أدائه الوظيفى والذى رأت أغلبيتهم الساحقة أنه لم يكن مرضيا أو موفقا. والمفارقة هنا هى أن أول من لفت الانتباه إلى ديانة المحافظ السابق المسيحى لم يكن مسلمو قنا بل كانوا مسيحييها الذين رأوا أن مواقفه تجاه بعض النزاعات الطائفية التى تمت فى عهده بين المسلمين والمسيحيين وعلى رأسها جريمة نجع حمادى البشعة التى أودت بحياة سبعة من الأقباط ليلة عيد الميلاد عام 2009، كانت منحازة ضدهم بسبب حرصه على تأكيد حياده تجاههم لكونه مسيحيا.
والمفارقة أيضا هى أن الاحتجاجات التى اندلعت فى الساعات الأولى بعد تعيين المحافظ الجديد شملت قطاعات من الإخوة المسيحيين فى قنا لتخوفهم من تكرار تجربة المحافظ السابق المسيحى تجاههم، وهو ما اختلط باحتجاجات من باقى أهل قنا بسبب كونه ضابط شرطة سابقا، وهو ما أعاد إلى الجميع التجربة السلبية للمحافظ السابق الذى اجتمع فيه كونه مسيحيا وضابط شرطة، فاتسع الرفض لتعيين المحافظ الجديد لقنا.
●●●
إلا أن عوامل أخرى دفعت الاحتجاجات فى قنا لكى تأخذ مسارين رأى البعض فيهما خطرا على تطور البلاد فى المرحلة الانتقالية الدقيقة التى تمر بها حاليا بعد ثورة يناير العظيمة.المسار الأول هو غلبة البعد الدينى الطائفى على الاحتجاجات وإبراز ديانة المحافظ الجديد باعتبارها السبب الوحيد لرفض أهالى قنا له، والثانى هو قيام المحتجين بقطع الطرق العامة وخطوط السكك الحديدية التى تربط شمال البلاد بجنوبها.
والحقيقة أن المسارين معا نتجا بداية عن عامل مشترك رئيسى هو التجاهل الذى أبدته وسائل الإعلام وسلطات الدولة تجاه الاحتجاجات القنائية فى صورتها الأولى التى كانت سلمية وليس فيها من المظاهر الطائفية الكثير.
فقد أدى هذا التجاهل الذى استمر لعدة أيام إلى تأكيد المشاعر التى تجتاح أبناء الجنوب عموما وقنا خصوصا بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية وأن لا أحدا فى عاصمة البلاد من السياسيين أو الإعلاميين يهتم بهم أو يسمع أصواتهم ومطالبهم.
وقد أدى هذا الشعور الذى يستند إلى خلفية تاريخية طويلة من الإهمال والتجاهل إلى اندفاع المتحمسين من المحتجين فى قنا إلى سلوك المسار الثانى التصعيدى وهو قطع الطرق العامة والسكك الحديدية للفت أنظار الساسة والإعلاميين فى العاصمة ليس فقط إلى رفضهم للمحافظ الجديد بل إلى أوضاعهم البائسة بصورة عامة.
أما المسار الأول، وهو تزايد النزعة الطائفية فى الرفض، فقد دفعت إليه عوامل أخرى فى مقدمتها غياب القوى السياسية والحزبية عن قنا كغيابها عن بقية أنحاء الجمهورية خلال العقدين الأخيرين من حكم النظام السابق بفعل السياسات الإقصائية والاستبعادية لجميع المعارضين له من الساحة السياسية، والتى لم يبق بداخلها ناشط سوى بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين التى اكتسبت خبرة العمل السياسى بالرغم من الحظر القانونى لها، وعلى هوامشها بعض القوى الدينية الصاعدة غير المنخرطة فى العمل السياسى وعلى رأسها التيارات السلفية والصوفية. وقد أدى غياب القوى السياسية عن قنا والضعف النسبى لجماعة الإخوان المسلمين بها إلى خلو مشهد قيادة الاحتجاجات ضد المحافظ الجديد للأكثر حماسا وشبابا من المحتجين وهم بعض من أبناء التيارات السلفية المنخرطين حديثا وبدون أى تجربة سابقة فى النشاط السياسى.
وقد أدى هذا الحماس وغياب هذه الخبرة السياسية السابقة إلى اندفاع قطاعات منهم نحو اعتبار أن ديانة المحافظ الجديد هى أصل المشكلة والرفض وأن «ولايته» على محافظة قنا، بحسب تعبيرهم، إنما هى مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية. وقد أدى تجاهل الساسة والإعلاميين لما بدأ فى قنا من احتجاجات لم تكن دينية تماما وخلو المحافظة من القوى السياسية المنظمة وتدخل بعض قيادات الحزب الوطنى المنحل لأسباب انتخابية، إلى تأثر قطاعات أوسع من أبناء قنا غير المسيسين بدعوات شباب التيارات السلفية الجديدة حول ديانة المحافظ كسبب لرفضه مما أدى إلى صبغ الاحتجاجات فى أيامها الأخيرة بهذا الطابع الدينى الطائفى.
ومع كل ذلك فإن جوهر الاحتجاجات المتصاعدة ظل هو رفض التجاهل المركزى لأبناء الصعيد وليس فقط البعد الدينى لها، وهو ما أكده فشل زيارة الشيخ محمد حسان والدكتور صفوت حجازى الرمزين الكبيرين للحالة السلفية المصرية فى إقناع شباب السلفيين فى قنا ولا مجمل المحتجين منهم على المحافظ الجديد بفض اعتصامهم أو على الأقل بفتح الطرق العامة والسكك الحديدية، فلو كان الأمر دينيا بحتا أو سلفيا صافيا لما رفض هؤلاء الشباب مطالب بعض من أبرز شيوخ تيارهم.
●●●
إن التعامل السياسى مع الأزمة فى قنا والأزمات المماثلة لها التى اندلعت فى عدد من محافظات الجمهورية هو الحل الوحيد لها. والتعامل السياسى فى مثل الظروف الصعبة التى تمر بها مصر حاليا يتطلب الحفاظ على ثلاثة ثوابت فى نفس الوقت: هيبة الدولة ومطالب الرأى العام والوحدة الوطنية بين مسلمى مصر ومسيحييها. وأى حل أو تعامل مع الاحتجاجات فى قنا وفى غيرها من محافظات الجمهورية يسقط من حساباته أى ثابت من تلك سيكون أكثر خطورة فى نتائجه من استمرار الاحتجاجات نفسها. من هنا فإن حل الأزمة فى قنا يمكن أن يتم بواحد من اقتراحات أربعة: أن يتم نقل المحافظ الجديد إلى محافظة أخرى ويأتى محافظها لكى يستلم مكانه فى قنا، وهو حل قد يكون الوقت قد تأخر لتطبيقه وإن كان لا يزال ممكنا. أو أن يتسلم المحافظ الجديد عمله ثم يقوم بأجازة بعدها مباشرة يقوم خلالها السكرتير العام الجديد بأعمال المحافظ أو أن يعين نائبا للمحافظ يتولى مهامه حتى تنتهى أجازة المحافظ باستقالته أو بحركة محافظين جديدة. أو أن يتم تعيين محافظ جديد لقنا وفى نفس الوقت يعين المحافظ الحالى نائبا لوزير التنمية المحلية ومشرفا على محافظات الجنوب الثلاث، أسوان والأقصر وقنا. أو أن تعاد صياغة قرار تعيين المحافظين وكل قرارات تعيين المسئولين الجدد على مستوى الجمهورية، بما فيهم بالطبع محافظ قنا، بحيث تكون لفترة محددة تنتهى إما بانتهاء الفترة الانتقالية لتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة البلاد خلال ستة شهور وإما بانتخاب مجلس الشعب وتشكيل الحكومة القادمة. وكل هذه الحلول، وهناك لاشك غيرها، تضمن الحفاظ على الثوابت الثلاثة الأساسية المشار إليها والكفيلة بالحفاظ على وحدة الوطن وهيبة الدولة واحترام الرأى العام، وهو ما يعنى فى النهاية الحفاظ على الثورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق