- بلادى توداى
- 2:59 ص
- أبحاث ودراسات
- لا توجد تعليقات
سر الابتـلاء
يخبرنا الله تعالى أن المؤمنين سيخضعون في حياتهم لاختباراتٍ كثيرةٍ, وستكون أنفسهم وأموالهم موضع اختبار, وقد ينصب لهم الكفار شراكاً كثيرةً, أو يتهمونهم باطلا وزورًا, وبمعنىً آخر, يواجهون مكاره جمةً في كل مراحل حياتهم, لكن المهم هو متابعة سلوكهم الإيماني انسجاما مع أخلاقيات القرآن الكريم في أوقات الشدائد, فيبقون لربهم ذاكرين, ولإنعامه شاكرين, مطمئنين أن كل ما يصيبهم سيكون عقباه الخير المحض.
ومن البديهي أن يتحلى المؤمن بهذه الأخلاق وهو في رحب العيش ورغده، عما لو حدث ذلك كله وقت الشدائد والكربات. وعدم مساومة المؤمنين على سلوكهم الأخلاقي المستقيم هو أنصع دليلٍ على قوة إيمانهم والثبات عليه. فالمسلمون الذين تجرعوا مرارة الصبر على الفقر والجوع, والخوف والخسارة المعنوية والمادية, ومكابدة المرض, وتهديد الكفار لهم, والافتراء عليهم, ونصب شراك الخديعة, سينالون أعظم الثواب جزاء تمسكهم بالفضائل الخلقية.
ويقدم لنا القرآن الكريم نماذج من الظلم والطغيان الذي عاناه الأنبياء عليهم السلام ومن كان معهم من المؤمنين. وقصة طغيان أحد الفراعنة على شعبه هي إحدى هذه النماذج القرآنية. ويعلمنا الله سبحانه أن ذلك كله إنما هو تمحيص منه لعباده المؤمنين: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)) (سورة البقرة: 49).
أوضحت هذه الآية أن كل ما يضعه الكفرة من عوائق في طريق الخير ماهو إلا امتحان لأهل الإيمان. فثباتهم على الفضيلة وشجاعتهم, وسكينتهم عند تعرضهم للملمات والابتلاءات, ستضاعف ثوابهم وترفع درجاتهم في جنات الخلد. ويصف لنا القرآن الكريم حال المؤمنين وما سيعانونه, وصور ثباتهم على الحق فيقول: ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157) )( سورة البقرة: 155-157) .
إن الثقة بالله والاستسلام لأمره المذكورين في الآية السالفة لهي أروع مثال يحتذي به جميع المسلمين. ولكن الكافرين لا يفقهون معنى لهذه الثقة لأنهم يتصرفون وفق معاييرهم الفاسدة المنحرفة, وهم يظنون أن الطريق الوحيد لجمع الثروة هو انغماسهم في حمأة رذائلها, فلا يستطيعون مواجهة الشدائد فيفترسهم الخوف ثم ينبذبون إيمانهم والعياذ بالله تعالى.
أما المسلمون الذين فهموا سر الاختبارات في الحياة الدنيا, هم يعرفون أن أفضل ما يمكن عمله في مثل هذه الظروف هو الاحتساب والصبر. فهم يصطبغون بأخلاق القرآن ويبذلون ما بوسعهم لترسيخها في نفوس الآخرين. إذاً فكل المشكلات التي تعتريهم إنما تقدم لهم دليلاً إضافياً أنهم ماضون على صراط الله المستقيم.
وكثيراً ما يخبرنا ربنا عز وجل في القرآن الكريم عن السنن التي لا تبديل لها ولا تحويل على مدار التاريخ. وتعرض المؤمنين لألوانٍ من الشدائد والكرب بسبب شتى أصناف المظالم التي ينزلها بهم الكافرون, هو إحدى هذه السنن, دون أن ينجز الكفرة أياً من أغراضهم: وهذه واحدة من بين الابتلاءات التي نبه الله تعالى المؤمنين على إمكانية مواجهتها, وأنهم سيدخلون الجنة إذا صبروا في مواجهتها كما فعل أسلافهم من قبل.
الإذعان للقــدر
والقدر واحدٌ من أهم أسرار العقيدة الإسلامية, فالمسلمون كافة يعرفون أن الله سبحانه قد خلق كل شيء بقدره, وما يتحرك ساكنٌ إلا وفق مشيئتهِ سبحانه. والله – كما يخبرنا القرآن – هو بارئ الحياة الإنسانية بأشكالها المتنوعة, وما يقع في ملكهِ سبحانه إنما هو تحقيقٌ لهذه المشيئة. فليس لأحدٍ القدرة على الإخبار عن المستقبل لأن الناس مكبلين بأصفاد اللحظة, وليس بوسعهم التكلم إلا بمنظور لحظتهم الراهنة. ولأن المستقبل من مكنون عالم الغيب, فهم غير مدركين غالباً, وربما على المدى الطويل أهمية ما يواجهون من أحداث حياتهم أو حتى إيجابياتها. ولكن الله جلت قدرته خلق الزمان, ويرى الأشياء من خارج حدود الزمان. ويحسن بنا أن نعرف القدر بأنه علم ُ الله بالحوادث ماضيها ومستقبلها وما يمكن أن يتمخض عنها في لحظةٍ واحدة.(لمزيد الاطلاع حول هذا الموضوع ارجع إلى كتابي هارون يحيى: "لا محدودية الزمان" و "حقيقة القضاء والقدر".
وهكذا, فالله يعلم بداية الابتلاءات الإنسانية ونهايتها, وماضي الزمان ومستقبله ولحظته الراهنة. فكل شيء قد تم وأنجز بعلم الله سبحانه, بغض النظر عن ماضي الزمان ومستقبله. أما الإنسان فلا يعلم لضعف إمكاناته وقصورها من الأحداث إلا ما يمارسه ضمن إطار الزمن.
أما الكفار, فليس لهم من معرفة القدر أدنى نصيب لأنهم على جهلٍ مطبق بكنه حقيقته, في حين أن معرفة القدر هذه تجعل المسلمين يواجهون المكاره والابتلاءات بصبر جميل كما نبه القرآن في سورة التغابن: ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) ) ( سورة التغابن: 11) .
فالمؤمنون يعيشون وهم مطمئنون أن ما يحدث لهم هو أمرٌ مقدرٌ حسمه الله سبحانه بسابق علمه. فهو سبحانه قدرعلى المؤمنين أقضية متباينة, ولطّف من وقعها عليهم برحمته ليقووا على تحملها ويتقبلوها متمسكين بإيمانهم واضعين أنفسهم في دائرة عنايته. هؤلاء قد آمنوا بربهم حقاً وصدقاً, وأسلموا قيادهم له, يرون ما يجري لهم من متغيراتٍ فيتقبلونها بهدوء وسكينة لأنهم يعلمون وقد رفعت الأقلام وجفت الصحف, أن الأمر أشبه ما يكون - ولله المثل الأعلى- بمن يجلس متراخياً في صالة يشاهد فلماً, فهو يتابع بثقة كاملة الممثلين وأدوارهم وقد رسمت من قبل وحسمت, فالمشاهد قد تكون مليئة بالحركة والرعب, وقد تكون مفعمة بالسكينة والمسرة, ولكن يبقى هنا في نفوس المؤمنين شغف الإيمان ومسرته. أما مشاهد الصراع فقد أعدت وأحكمت لتشغلَ أصغر حيزٍ ضمن مكونات اللوحة وتفصيلاتها. وفي النهاية فإن الجزئيات والتفاصيل منضوية في علم الله سبحانه وتعالى.
فالمسلمون الذين فهموا حقيقة القدر وأدركوا سرّ الابتلاءات, يرون في الكوارث؛ كالمجاعة والفقر جانباً إيجابياً فلا يضيقون به ذرعاً, واعين أن سلوكهم الأخلاقي الذي يُبدونه حيال الابتلاءات أمرٌ بالغُ الأهمية في نظر الله سبحانه. فعندما يُواجه المؤمنون بمثل هذه المكاره, لا يكونون لقمةً سائغةً للاكتئاب والضغوط , والآلام والخوف والهلع لأنهم على يقين أن الله سبحانه سيبدل كل هذه المصاعب لتصبحَ خيرًا ويسرًا. ويوجه الله تعالى الخطاب للمؤمنين قائـلاً: ( الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنْ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141) ) ( سورة النساء: 141) .
وينبغي أن ندرك هنا أن كل ما ينزل بالمسلمين في هذه الدنيا من مصائب وفقد للممتلكات وضعف في البدن أو مرض أو حتى العجز والموت, ينبغي أن لا يعتبروها بالضرورة مؤشرات سيئة، بل هي امتحانات تجري بعلم الله تمحيصاً لإيمانهم بالله عز وجل. فلو صبروا على هذه الاختبارات وتجاوزوها بسلامٍ, فإنّ لهم أجراً عظيماًعند الله في الدنيا والآخرة, وسينالون في نهاية هذه الاختبارات الانتقالية جزاءهم متمثّلاً في حياةٍٍ خالدة سرمديةٍ في جنات النعيم.
فيصبح المؤمنون المدركون لهذه الحقيقة أكثر صبرا عندما يواجهون الشدائد في حياتهم, وبالمقابل تفشل خططُ الكفار وتُحبطُ كل جهودهم. وعند رؤية هذا الإخلاص والصبر والرّضا لدى المؤمنين, يدرك الكفار أنهم عاجزون عن أن يسببوا لهم أي أذى. وتفصحُ العبارات التي ينطق بها المؤمنون في مواجهة أي وضعٍ متأزم عن مدى استسلامهم لربّهم وثقتهم به عزّ وجل. ويتلوا علينا القرآن الكريم بعضاً من هذه العبارات: ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13)) ( سورة إبراهيم: 13 )
( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (51) ) ( سورة البقرة : 51).
وهذا الموقف هو النتيجة الطبيعية لإذعـان المؤمنين للقدر الذي كتبه الله عليهم, فكل من وثق بالله وتوكل عليه لن يداخله الخوف والحزن, والقرآن يعلنُ:
( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) ) ( سورة الأحقاف: 13).
( بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) ) ( سورة البقرة :112).
( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)) (سورة يونس: 63-64).
ويكشف الله لنا في آياتٍ أخرى أنّ عباده الذين آمنوا به وأسلموا له قيادهم قد استمسكوا بحبل الله المتين:
( وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (22) )( سورة لقمان: 22).
( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (256) ) ( سورة البقرة: 256).
النظر إلى الأحداث باعتبارها منتهية
النظر إلى الأحداث باعتبارها منتهية
عندما يدرك المؤمنون أنهم يُمتحنون في هذه الحياة الدنيا, فإنهم يشهدون الأحداث من منظور المستقبل, وماذا يعني ذلك ؟ الحقيقة أنه لا عبرة لِعِظَمِ المشقات ومدى شدتها طالما أنها سوف تنتهي وتزول, كأن يُتهم أُناسٌ بجناية زائفة فيعانون من جرائها ألوان الظلم والجور, ولكن لا بد للحقيقة أن تظهر أخيراً. وإذا لم ينته الظلم في هذه الدنيا, فسينال الذين تسببوا في وقوعه عقوبة ما قدمته أيديهم يوم القيامة. ويتطلع أولئك الذين عانوا من الظلم إلى اليوم الذي ينالون فيه جزاء صبرهم واحتسابهم. ويمر الوقت مسرعاً, وتنتهي كل مشكلة كطرفة عين. وقد أوضح القرآن لنا أن الله عز وجل وعد أن يجعل نهاية كل اختبارٍ يُمتحن فيه المسلم برداً عليه وسلاماً :
( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) ) (سورة الشرح : 5-6).
لذا, فالمؤمنون يثقون في عدالة الله المطلقة, منتظرين الفرجَ , دون أن يفقدوا الأمل. فهم واثقون دائماً أن اليُسرَ لا بد أن يعقبَ العسر, سواء في هذه الدنيا أو في الآخرة. وهذا ما قصدناه من رؤية الأحداث من منظور المستقبل.
ويعرف المسلمون أنهم شهداء على أقدارهم ومقادير الناس من حولهم , فيلاحظون كل شيءٍ بصبرٍ وثقةٍ وإذعانٍ , غير قادرين على إيقاف تيار الأحداث أو تحويل مجراها لأنها تسير بعلم الله , وكم من آية ترسخ هذا المعنى في أذهانهم: ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) ) (سورة البقرة: 216).
وبمعنى آخر, فكل ما يسوء المؤمنين حدوثه سوف يتحول إلى صالحهم إن بقوا متمسكين بإيمانهم بربهم صابرين على قضائه, فهذه الاختبارات فترةٌ تدريبيةٌ تعمق إيمانهم وتأصل سلوكياتهم الأخلاقية فيصبحون من الجانب روحيا أكثر نضجاً وفطنةً , وتُرفعُ درجاتهم عند ربهم في الجنة.
والذين يدركون هذه المكانة الروحية السامقة هم جماعة مؤمنة امتثلت لأمر الله سبحانه من أعماق قلوبها. أما الذين لا يسلمون قيادهم للقدر ويرفضون الدين أصلاً فسينهارون من اليأس والخوف والاضطراب, وقد سدت أمامهم منافذ الأمل نحو النجاة. وسيبقون في شقاءٍ وتعاسةٍ روحيةٍ دائمة ٍ طالما انطفأ لديهم بصيص الأمل في نعيم الآخرة : ( فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (125) ) ( سورة الأنعام : 125) .
إن حالة الخواء الروحي هذه تمخضت عن رفض هؤلاء القوم لقدر الله فيهم, حيث جنوا على أنفسهم بظلمهم هذا. فالله عز وجل- بكمال قدرته وسعة علمه - يتحكم في مصائر الخلق, ويهيمن على كل شيء في ملكه, وهذه بحد ذاتها نعمةٌ لا حد لها على المؤمنين. أما أولئك الذين خفتت أنوار إيمانهم أو قُل انطفأت, فهم لا يعرفون لهذه النعمة قدرا ولا يستطيعون الإذعان لميرهم المقدر عليهم فينتهي الحال بهم إلى الاستسلام لليأس والقنوط حتى يلقوا ربهم. فما هذه الحالة سوى عقوبة روحية جلبوها لأنفسهم عمدا وقصدا لقلة ثقتهم بربهم عزّ وجل.
( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) ) ( سورة يونس: 44) .
هارون يحيى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق