- بلادى توداى
- 1:44 ص
- أبحاث ودراسات ، شريعة ومنهاج الإسلام
- لا توجد تعليقات
من سلسلة مواعظ الإمام ابن الجوزى
خالف هواك
لله درُّ نفس تطهرت من أجناس هواها ، وتجلببت جلباب الصَّبر عند دنياها ، وشغلها ما رأى قلبها عما رأت عيناها ، وإن مالت إلى الدنيا نهاها نُهاها ، وإن مالت إلى الهوى شفاها شفاها ، سهرت تطلب رضى المولى فرضى عنها وأرضاها ، وقامت سوق المجاهدة على سوق هداها ، فباعت حرصها بالقناعة فظفرت بغناها ، وفوقت سهام العزائم إلى أهداف المحارم تبتغي علاها ، ورمت نجائب الأسحار فساقها حادى الاستغفار إذ عناها ؛ وقطعت بيداء الجد بآلة المستعد فبلغت مُنَاها ، فمن أجلها ينزل القطر وينبت الزرع من جزاها ، ولولاها لم تثبت الأرض بأهل دنياها .
وما أعطَى الصَبابَة ما استَحقَت ... عَليهِ ولا قَضَى حق المنازل
ملاحظها بعين غُرِّى غَيرِى ... وزائراها بجسم غير ناحل
------------------------------------------------------------------------------تبصر في نفسك
يا من نسي العهد القديم وخان، من الذي سواك في صورة الإنسان من الذي غذاك في أعجب مكان؟ من الذي بقدرته استقام الجثمان؟ الذي بحكمته أبصرت العينان ؟ من الذي بصنعته سمعت الأذنان؟ من الذي وهب العقل فاستبان للرشد وبان؟ من الذي بارزته بالخطايا وهو يستر العصيان؟ مَنِ الذي تركت شكره فلم يؤاخذ بالكفران؟ إلى كم تخالفني وما يصبر على الخلاف الأبوان، وتعاملني بالغدر الذي لا يرضاه الإخوان ، وتنفق في خِلافي ما عَزَّ عِندك وهان ، ولو علم الناس منك ما أعلم : ما جالسوك في مكان، فارجع إليَّ في ذلك فأنا المعروف بالإحسان :
نَقِّل فُؤَادَكَ حيثُ شئتَ مِن الهوى ... ما الحبُّ إِلَّا لِلحَبِيب الأَوَّلِ
كَم مَنزِلٍ في الأَرض يَألَفُهُ الفَتَى ... وحنينه أَبداً لِأُوَّلِ مَنزِلِ
يا مبارزاً بالقبيح مهد عذرك، يا مواصلاً نقض العهود جانب غدرك، يا مديماً للتواني تدبر أمرك، يا مؤثراً ما يفني على ما يبقى خالفت خبرك، يا لاهياً في أيام العوافي والله ما تترك، يا واقفاً مع الأماني ضيعت عمرك، يا فارحاً بقصره تذكر قبرك، يا حاملاً أثقال الذنوب هلا خففت ظهرك؟ سار الصالحون إلى ذكرنا وآثرت هجرك ، وسمعت سيرهم وضيعت أجرك ، إن أردت صحبة المتقين فاشرح لليقين صدرك ، وإن أحببت حلاوة العواقب فاستعمل صبرك ، إن حلا شراب مناجاتنا فبدد خمرك ، إن طاب لك سماع ذكرنا فاكسر زمرك ، اعتبر عن خل الثرى والكفان ، وتفكر في البلا ، وتذكر ذاك الرفاق فما بينك وبين هذه الآفات إلا أن تعاين الوفا وفات.
----------------------------------------------------------------
تذكر يا عامل
يا من له قلبٌ ومات ، يا من كان له وقت وفات ، أشرف الأشياء قلبك ووقتك، فإذا أهملت قلبك وضيعت وقتك: فقد ذهبت منك الفوائد، أو كنت تبكي على ما فات فابكِ على وقتك :
وَيَبكي عَلى الموتَى ويَترُكُ نفسه ... ويزعَمُ أَنَّ قَد قَلَّ عَنها عَزَاؤُهُ
ولَو كانَ ذا رأىٍ وعقلٍ وَفِطنَةٍ ... لكانَ عَليهِ لا عَليهِم بُكَاؤُهُ
رُئى سمنون يوماً على شاطئ دجلة وبيده قضيبٌ يضرب به فخذه حتى تبدد لحمه وهو يقول: كان لي قلب أعيش به ضاع مني في تقلبه، رب فاردده على، فقد عيل صبري في تطلبه، وأغث ما دام لي رمقٌ يا غياثَ المستغاث به ، ابكِ على وقت كان قد صفا ، وعلى قلب صار كالصفا، وعلى زمان تبدل فيه الوصل بالجفا ، وعلى ربع خلا من اليقظة وعفا :
منَازلَ كنتُ أَهواها وآلَفُهَا ... أَيَّامَ كُنتُ على الأَيَّام منصوراً
ما تتوفى في سمين بدنك حتى نسيت إدراجك في كفنك ، ولا متعت نفسك بمواعيد المُنى إلا بعد أن أسرك حُب الهوى ، أما وعظك الزمان من بسطه وقبضه ؟ أما أجد لك بجديد بعد الاعتبار ببعضه ، أما تدرك الحين من طوله وعرضه ، يا عجباً كيف التذَّ حامل بغمضة ؟ وكم طيل يوم ما أُدىَ بعض فرضه ، أما تعلم أنَّ الممات والحساب أمامك فتهيأ للرحيل، وأصلح خيامك، واحفظ مقالتي واقطع قطع المدى مدامك ، واجتهد أن تنشر الإخلاص في المحل إلا على أعلامك ، وصل صلاتك في الدجى ، واهجر للمنام منامك ، ولا تترك ولو بت الليل عاصياً صيامك، وأحضر قلبك وسمعك، وإن قلا من لامك ، وأفق في زمان الإمكان قبل انثات العرى غرامك ، واقطع بسيف التقى كما يقطع الكلام كلامك ، وإياك والفتور فإني أرى الدواء دوامك .
-------------------------------------------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق