- بلادى توداى
- 8:01 ص
- تحليلات هامة
- لا توجد تعليقات
د/ محمد البلتاجى
يواصل الدكتور البلتاجي القيادي والنائب الإخواني المعروف وأستاذ الطب بجامعة الازهر ، في كتابه ( مصر 2005-2010 ..ولماذا لم يتحقق الإصلاح المنشود؟) سرد شهادته على الواقع السياسي المصري ، وتحليله لأسباب سقوط وتردى هذا الواقع في مهاوي الاستبداد والفوضى والعشوائية والتخبط، وفي هذه الحلقة من جولتنا مع هذا الكتاب الوثيقة نطرق المحور الثاني من محاوره..والذي يتضمن مقالات يسرد فيها الكاتب –ويحلل – شهادته على وقائع واختناقات وخناقات سياسية ومجتمعية مثل انتشار البلطجة في الجامعات بدعم ورعاية رسميين ، وتمرير التعديلات الدستورية ومدلولات كل تعديل والانتخابات المحلية التي أجلها النظام سنتين عن موعدها بحجة انتظار الانتهاء من القانون الجديد للمحليات ثم أجراها بدون ذلك القانون المزعوم !
- هل يصبح الاعتداء على الدستور دستوريا ؟
سؤال مظهره الخارجي ساخر وغاضب وعبثي، طرحه د. البلتاجي في مقدمة احد مقالات الكتاب ، لكن – للمفارقة – هذه هي مواصفات الواقع السياسي المصري الآن ، لذا فالسؤال جاد تماما.
يقرر د. بلتاجي في معرض حديثه عن مدلولات ونتائج التعديلات – التي يسميها التعويجات – الدستورية أن الدساتير في كل الدول تنشأ وتعدل في (لحظات اتزان بين كامل القوى الفاعلة في المجتمع ..بين السلطة والشعب..وبين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ..وبين كافة الشرائح جيش وشرطة وشعب وصحافة وعمال ..فيتعهد الجميع في هذه اللحظة التاريخية ألا يتغول على الآخر وألا يخترق أحد من جانبه هذا التوازن)
لكن د. البلتاجي يعود فيستدرك مؤكدا أن اللحظة المصرية التي شهدت مباغتة النظام للمصريين بإجراء تلك التعديلات هي لحظة أبعد ما تكون عن ذلك التوازن الذي تنشئ وتعدل فيه الدول الطبيعية دساتيرها ، فبعد سنوات طوال من تأكيد النظام على أنه ( لا مساس بالدستور ) فاجأ نفس النظام الشعب بتعديل 34 مادة من الدستور دفعة واحدة ، في سياق مليئ بـ( العجلة والتسرع وعدم وجود أرضية وفاق وطني حول التعديلات ، وتم تفصيل تلك التعديلات لحل مشكلات خاصة لمجموعة الحكم ) ..
وفي هذا الإطار أيضا يؤكد د. البلتاجي أن المناخ العام الذي سيقت فيه فجأة تلك التعديلات الدستورية بالجملة ، مناخ يخلو من الديمقراطية الحقيقية أو أي انفراجة إصلاح سياسي حقيقي ، ويدلل على ذلك بما صاحب الإعلان عن تلك التعديلات والاستفتاء عليها وقبلها الانتخابات البرلمانية ، خلال العامين 2005/2006 ، من سقوط جرحى وقتلى ، واستخدام الأمن للبلطجية في الاعتداء على المتظاهرين ضد التعديلات ، تلك الاعتداءات التي توجت بالتحرش الجنسي بالصحفيات ، واعتقال الآلاف أثناء مظاهرات القضاة ..
ويؤكد د. البلتاجي أن توقيت إجراء التعديلات الدستورية كان يشهد ذروة الخلل الحاد في العلاقة بين السلطة والشعب ، وكذلك تغول السلطة الأمنية وأن تلك التعديلات جاءت لترسخ العلاقة غير المتوازنة بين السلطة وعموم المجتمع ، يشدد د. البلتاجي على أنه كان يتعين على النظام قبل تعديل الدستور أن يتخذ عدة إجراءات لإعادة التوازن المفقود بين أجنحة الأمة منها : إلغاء جميع القوانين الاستثنائية سيئة السمعة ، وإنهاء حالة الطوارئ، إلغاء لجنة ومحكمة الأحزاب ، وإقرار حق تكوين الأحزاب بمجرد الإخطار ، وإطلاق حرية التعبير والتظاهر، وإجراء انتخابات نزيهة في النقابات والجامعات ..
ولأن تلك الإجراءات الضرورية لإعادة التوزان لم تحدث ، فقد كانت تلك التعديلات تهدف إلى جملة من النتائج على رأسها :تكريس تغول السلطة التنفيذية ، وإقصاء ونفي كافة القوى الحية الفاعلة ممثلة في : ( المستقلين ، ,القضاة ، والإخوان المسلمون ) ، وتقليص مساحة الحريات الخاصة.
ويشير د. البلتاجي إلى أن التعديلات الدستورية أحدثت ( دسترة التزوير والاستبداد) في الواقع المصري ، فبعدما كان المصريون يؤمنون أن ما يحدث من قمع وقهر وتزوير وخنق على الحريات ، مخالف للدستور ، جاءت تلك التعديلات ( التعويجات ) الدستورية لتجعل كل ذلك المناخ القاتل ( دستوريا)!!
انتخابات محليات بدون مرشحين!
دراما سوداء مصرية خالصة ..كانت حقلا لتطبيق آليات أمنية وسياسية عجيبة انفرد بها النظام المصري لإقصاء مرشحي كافة القوى السياسية وحرمانهم – بقوة الأمن والأمر الواقع – من مجرد الترشح ..ولذلك عجزت كل القوى المصرية أن تقدم أكثر من 1000 مرشح في تلك الانتخابات التي كان التنافس فيها يتم على 52.000 مقعد !!
يقرر المؤلف أن أول إجراءات النظام ( لطبخ ) انتخابات المحليات تمثلت في تشكيل ثالوث إداري رهيب لمنع المرشحين من تقديم أرواقهم ، أركان ذلك الثالوث : أمن الدولة ، الإدارة المحلية التي يسيطر عليها الحزب الوطني الحاكم ،و البلطجية !
جراء تلك التدابير الوحشية فاز الحزب الوطني بغالبية المقاعد في تلك الانتخابات ،فاز بـ 99% فيها بالانتخابات التي أجريت بدون مرشحين ولا ناخبين ، بعد أن كان حسم لنفسه أمر الفوز بـ 97% من الـ 52.000 مقعد بالتزكية من خلال حرمان المرشحين الآخرين من تقديم أرواقهم!
ويلفت الكاتب إلى حقيقة أن سيطرة الحزب الوطني على مقاعد المحليات طوال العقود الماضية تسببت في إفساد منهجي منتظم للمحليات ، لذا فهو يتساءل – المؤلف- : ( لماذا ينزل الحزب الوطني إلى المحليات أصلا وهو الذي أفسدها طوال الـ30 سنة الماضية ؟ وماذا عنده من جديد ليقدمه ولماذا لم يقدمه طوال الـ 30 سنة الماضية ؟)
ويشبه المؤلف سلوك الحزب الوطني في رفضه للمنافسة السياسية الشريفة بموقف ( قابيل ) ابن سيدنا آدم عندما لم يتوقف ليسأل نفسه عن السبب في عدم قبول قربانه بينما قبل الله تعالى قربان أخيه ، لكنه حسم قراره بالقضاء على أخيه ( الآخر) ..ويستمر الكاتب في هذا التوضيح المستقى من مرجعيته الإسلامية ليؤكد أيضا أن سلوك الحزب الوطني تجاه باقي القوى السياسية يشبه سلوك فرعون عندما عجز عن محاورة سيدنا موسى ومقارعته الحجة بالحجة فجاء رده بتهديده بالسجن إذا تمسك بإيمانه
ويربط المؤلف حرص الحزب الحاكم على تحرير انتخابات المحليات على النحو الهزلي الذي تمت به ، بالصورة التي تم بها تعديل المادة 76 من الدستور والتي ألزمت المرشح المستقل للرئاسة بالحصول على تزكية (65) عضوا من مجلس الشعب و(25) من الشورى و(140) عضوا بالمحليات من 14 محافظة ، وبما أن المجالس المحلية المنتخبة في انتخابات 2008 ستظل فاعلة لمدة 4 سنوات ، إذن فهي التي ستتحكم في اختيار مرشح للرئاسة في انتخابات 2011 لذا حرص النظام وحزبه على طرد أي وجود للمعارضة الشريفة الحقيقية بالمحليات..
- حكاية النائب اشرف بدر الدين..وديكتاتورية الأغلبية!
هذا الجزء من الكتاب هو تجسيد درامي فاضح للمحصلة النهائية للأداء البرلماني المصري في ظل نظام فاسد ينظم انتخابات مزورة تأتي بأغلبية كاذبة تخدم على فساد النظام الذي دمر مصر داخليا وأنهى دورها إقليميا ودوليا وتخلى عن واجباتها تجاه محيطها العربي والإسلامي
والقصة باختصار حسبما يرويها الدكتور البلتاجي في أحد أقوى مقالات الكتاب وأكثرها دلالة أن نواب المعارضة والمستقلين استشاطوا غضبا بسبب الموقف المتخاذل للأداة المصرية تجاه أهلنا في غزة أثناء المحرقة الصهيونية التي جرت وقائعها طوال شهر كامل بدأ يوم 27/12/2008
النظام المصري لم يكتف فقط بالفرجة على أهل غزة وهم يحرقون بعدما شارك في حصارهم لسنوات ، لكنه قمع المظاهرات المنددة بالعدوان الصهيوني ، وأغلق معبر رفح مانعا المساعدات من دخول القطاع الذي حوله القصف الصهيوني إلى مقبرة مفتوحة
وفي صباح الأحد 28/12/2008 بينما كان رئيس مجلس الشعب يسعى لإهمال وتجاهل الحديث عما يجري في غزة أصر نواب الإخوان والمعارضة على تعديل جدول أعمال المجلس وتخصيص جلسة لمناقشة ما يجري في غزة وموقف النظام المصري منه
وفي جلسة 10 يناير 2009 تجاهل وزيرا الداخلية والخارجية الذهاب لمجلس الشعب للرد على أسئلة النواب بشأن إغلاق معبر رفح وقمع المظاهرات ووقف الدكتور فتحي سرور رئيس المجلس يعطي النواب درسا في الوطنية وكأنها تعني في مفهومه التخلي عن واجب الرقابة على الحكومة ومساءلتها ..
في هذه الأثناء المحتقنة وجه نائب عن الحزب الوطني هو نشأت القصاص سيلا من الاتهامات البذيئة والألفاظ النابية لنواب المعارضة واتهمهم بخيانة مصر والعمالة للخارج ..في مواجهة تلك الاتهامات الخارجة خرج النائب الإخواني أشرف بدر الدين عن شعوره ورفع حذاءه في مواجهة بذاءات نائب الوطني ..
كانت المفاجأة هي أن رئيس المجلس ولجنة القيم عاقبا النائب الإخواني وكل من تصدى للدفاع عنه وتوضيح الموقف ، وتجاهلا تسجيلات الفيديو التي أثبتت بالصوت والصورة الواضحين بذاءات نائب الحزب الوطني ..وكان من بين من عوقبوا د. محمدالبلتاجي مؤلف الكتاب
ويستدل د.البلتاجي بهذه الواقعة على ديكتاتورية الأغلبية التي يتمترس بها الحزب الوطني والنظام الحاكم ويسلطانها سوطا قاسيا ضد كل الأصوات الشريفة التي تطالب بأن تؤدي مصر دورها تجاه شعبها وأمتها ..
ولنا جولة أخرى مع الكتاب بإذن الله تعالى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق