- بلادى توداى
- 4:46 ص
- تحليلات هامة
- لا توجد تعليقات
منارات ـ ورود الحق
بقلم الأستاذ :- محمد مسعد ياقوت
الواقع في البلدان العربية يشهد أن الأموال الطائلة تدفع من كد عرق الشعوب وكسب يمينها لتمويل كافة الأجهزة الأمنية التي تأخذ على عاتقها حماية شخص الرئيس، ويكون من دواعي هذه الحماية نشر الجواسيس بين كافة أفراد المجتمع، وتجميع المعلومات من أقاصي الأرض وأدانيها، والتشويش على وسائل الاتصال، وإيقاف حركة المرور وحظر التجوال في الأماكن التي يقيم أو يتواجد فيها هذا الرئيس.
ويا ليت معشار هذا الجهد وهذا المال ينفق في إطعام البطون الجائعة أو إقامة المشروعات الوطنية النافعة.
من هنا تحول مفهوم الأمن من كونه أمن الأمة وأمن المجتمع إلى أمن الشخص المترف القابع في القصر الجمهوري... فالحفاظ على أمنه مقدم على أمن الدولة كلها، ومزاجه الخاص يجب أن يكون هو المزاج العام للدولة عن بكرة أبيها.. إن فرح فرحت الأمة، وإن غضب بكت الأمة.. وهكذا تكون صناعة الفرعون.
ماذا عليه لو حكم فعدل، فنام وأمن، وأراح واستراح. ثم ماذا عليه لو قدّم أمن شعبه على أمنه الشخصي، ومصلحة أمته على مصلحته الخاصة، وماذا كان شأن الزعماء الذين اغتالتهم شعوبهم؛ ألم يتترسوا بحصون من ورائها حصون، ذلك بأن الشعب لن يعجز أن يخلص إلى جلاده ولو تحصّن بمليون مدفع.
لقد جعل مباركٌ من منتجعه الخاص بشرم الشيخ مكانًا هادئًا بعيدًا عن الشعب.. بل شعبه في قارة أفريقيًا وهو في قارة أسيا، حسب موقع سيناء الجغرافي، ومع ذلك سقط حكم مبارك، كما سقط من قبله الملك فاروق، ومن قبلهما ملوكٌ وحكام، زواهم الزمن، وطواهم النسيان، واتُبعوا في هذه الدنيا لعنات الناس، وتركوا من ورائهم سوء الذكر، وسيء الألقاب.
آلان أدرك مبارك أن الحراسات المشددة لم تعصمه ولم تحفظ أمنه، إنما الأمن يتحقق في مجتمع العدل، ولا يناله إلا المقسطون " الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ " [الأنعام82 ].
وهؤلاء الذين يتكلّفون في مسألة حراسة الرؤساء، ويستدلون بحديث، « لَيْتَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِى صَالِحًا يَحْرُسُنِى اللَّيْلَةَ »[1]، وقوله – صلى الله عليه وسلم - : " إِنْ كَانَ فِى الْحِرَاسَةِ كَانَ فِى الْحِرَاسَةِ "[2] وغيرها من الآثار التي تُثْبت أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اتخذ الحرس والعسس، فإن هذه الاستدلالات لا تليق بأهل العلم والورع حينما يرسلونها على طبق من فضة لحاكم فاسد لا يوقر السّنة أصلاً.
وهم يعلمون أن تلك الحراسات التي اتخذها حكامُ عصرنا، إنما جعلوها بهذه الضخامة ليحتموا بها من شعوبهم، بيد أن الإمام البخاري أورد تلك الأحاديث في بابٍ بعنوان " باب الحراسة فى الغزو فى سبيل الله".
ثم إن هذه الحراسات التي اتخذها حكّام الجور، إنما هي امتدادٌ لجورهم، وترسيخ لظلمهم.
ثم انظر إلى آثار تلك الحراسات ومفاسدها على الأمة:
ـ فالرئيس اتخذ قطاعًا كبيرًا من الجيش بعنوان : الحرس الجمهوري، فجعل قسطًا كبيرًا من قوة الأمة لحماية شخصه، والأصل أن الحرس الجمهوري يعمل على حماية الشرعية الدستورية وحماية النظام الجمهوري بأكمله، لكنْ رغم كون هذا الحرس يتبع القوات المسلحة، إلا أنه لا يتلقى أوامره إلا من رئيس الجمهورية شخصيًا .
ـ ثم الشرطة العسكرية التي يستخدمها الرئيس في تأمين مواكبه السيارة.
ـ ثم جهاز أمن الدولة، مؤسسةً خالصةً له تراقب تحركات الجماعات المعارضة، وتعتقل منهم ما تشاء، وتكمم الأفواه، وترسل الجواسيس، وتخترق الأحزاب والنقابات لتفتيتها وتقزيمها.
ـ ثم جهاز المخابرات الذي تحول نشاطه من جهاز يعمل على حماية " الأمن القومي " داخليًا وخارجيًا، إلى مجرد مصلحة تابعة لشخص الرئيس تعمل على حماية " أمنه وأمن عائلته ".
ـ ثم الحراس الشخصيون للرئيس فهم نخبة منتقاة بعناية من القوات الخاصة، وهؤلاء لهم شأن آخر، فهم يتبعون جهاز "رئاسة الجمهورية"، وهو جهاز تخابري يختص بحماية الرئيس تم إنشاؤه لمبارك عام 1989.
ـ ولم يكفه ما سلف من تدابير سخّرها لشخصه، بل اتخذ تنظيمًا سريًا ليست له صفة رسمية، يهدف هذا التنظيم إلى تحقيق مطالب خاصة جدًا، ومطالب حساسة تلبي رغبات الرئيس، كأن يقوم هذا التنظيم باغتيال شخصية ما بطريقة احترافية، أو يبعث فرقةً منه إلى دولة أوربية لاغتيال فنانة قد أعلنت أنها ستكتب مذكراتها، والتي ستكشف فيها بالضرروة عن علاقتها السابقة بالرئيس.
وبعد كل هذه التنظيمات والأجهزة والوزارات التي تعمل على حماية الرئيس، كيف تكون الترتيبات إذا ما أراد الرئيس أن يخرج مثلاً من مقر إقامته إلى عقد لقاء خارج القصر في أي فعالية أو افتتاح مصنع أو كوبري ؟
الإجابة:
ـ جنود الأمن المركزي تنتشر لتأمين الطرقات، وهؤلاء ليسوا أي جنود، إنها نخبة مختارة من قوات الأمن المركزي.
ـ أما الموكب نفسه الذي يصحب الرئيس، فيسبقه ويلحقه عدة دراجات نارية من قوات الشرطة العسكرية المدربة تدريبًا خاصة بكل ما يخطر بالبال إذا ما باغت هجومٌ على موكب الرئيس .
ـ أما السيارة التي يركبها الرئيس، فهي سيارة من نوع خاص، ومحمية من أي اختراق ناري، ويحيط بها عدة سيارات من نوع "جيب " و" مرسيدس "، للحماية والتمويه ولصد أي هجوم، أما سيارات الجيب فهي تقل عناصر من قوات الصاعقة، وأما سيارات المرسيدس فهي أربع سيارات في الغالب، تحيط بسيارة الرئيس عن اليمين وعن الشمال ومن الأمام ومن الخلف، وتقل ضباطًا للحراسات الخاصة، ورئيسهم يركب غالباً في سيارة الرئيس في المقعد الأمامي إلى جوار السائق.
ـ أما المكان الذي سيذهب إليه الرئيس فمهمة تأمينه منوطة بالحرس الجمهوري، من خلال نخبة من قوات الصاعقة تكون على قدر عال من التدريب.
ـ وأخيرًا، طائفة من المروحيات، لتأمين سماء الموكب، تقوم تلك الطائرات برصد أي تهديدات جوية أو صاروخية قد تستهدف موكب الرئيس.
كل هذه التنظيمات وهذه الأجهزة لم تغن عن الرئيس شيئاً حين ثار عليه شعبه فكان من الخاسرين.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أخرجه البخاري (2885 ) ومسلم (6383)
[2] أخرجه البخاري (2887)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق