- بلادى توداى
- 7:43 ص
- تحليلات هامة
- لا توجد تعليقات
ورود الحق ـ إخوان أون لاين : ـ
بقلم: د. خالد فهمي
(1) مدخل: كيف عابت هذه العلامات؟!
أتابع بأسى بالغ أصداء ذلك الهجوم الضاري على الإخوان المسلمين في كل مكان في تنكر ظاهر لما اختاره الشعب، وعبر باختياره هذا عن ضمن البقايا الكثيرة الحية للهوية المغروسة في ضميره، المختلطة بلحمه وعظامه، الموجهة لحركته في الحياة، الحاكمة لتوجهاته، المحكومة بالانطلاق من التصور الإسلامي الممتد الذي لم ينقطع منذ مَنَّ الله سبحانه على مصر بالفتح الإسلامي الميمون.وأتابع بأسى بالغ كذلك تنوع أساليب ذلك الهجوم، حتى دلف الهاجمون من بوابة الأدب سعيًا إلى صناعة فتنة ماحقة تلحق الهزيمة بالإسلاميين والإخوان في القلب منهم، وهو الأمر الذي لا يصح معه الصمت أو التغافل، أو ترك المسألة لقانون شائع ملخصه أن الزمان جزء من العلاج؛ ذلك أن الصمت في هذا السياق مخيف، ومخيف جدا، وربما كان الصمت عن ذلك الهجوم بابًا للفتنة العاصفة.
ومن العجب أن يستجيب بعض المتلقين لبعض آثار هذا الهجوم على الإخوان؛ ذلك أن أولى قواعد التلقي تفرض التصفية والمراجعة.
ولا أدري حقيقة كيف غابت مجموعة من العلامات التي يملكها الإخوان المسلمون، وتشيع في أدبياتهم الفكرية التي يتربى عليها أبناؤهم في محاضنهم التربوية، وإن كانت شرعية بامتياز، وفيما يلي بعض هذه العلامات التي لا يصح أن تغيب عن المتلقي الواعي، وإن غابت عمدًا أو سهوًا عن رءوس المهاجمين من التيارات المخالفة لتوجهات الإسلاميين عمومًا والإخوان خصوصًا:
أولاً: كيف غاب أن الفكرة الإسلامية هي التي حفظت آداب الجاهليين، وصانتها وحققتها، وقامت فشرحتها، وفي هذه الآداب شعرها ونثرها، تفصيلات عقائد العرب المشركين، والوثنيين وعوائدهم، حتى وصل الأمر إلى التصنيف في أصنامهم وتاريخها، وما قيل فيها من أشعار؟!.
ثانيًا: ثم كيف غاب أن الفكرة الإسلامية في أخطر تراثها على الإطلاق، وهو المتمثل في تفاسير القرآن الكريم من الطبري إلى سيد قطب احتفت بالشاهد الشعري، وجعلته دليلاً مركزيًّا يهدي إلى فهم الذكر الحكيم؛ بما هو كتاب عربي مبين؛ حتى دخل الشعر الماجن الذي يصف أحط الغرائز إلى التفاسير الكريمة؟!.
ثالثًا: ثم كيف غاب كذلك أن هذه الأبواب الكثيرة التي لم يخل منها كتاب من كتب الأدب الجامعة، التي تعرض نوادر العرب، بما فيها مما سمي مجونًا أو خروجًا، بهدف التسرية عن النفوس، وقد ارتكب هذا غير واحد من أئمة الأدب والفقه معًا من أمثال بن
عبد البر الفقيه المالكي الأندلسي العظيم؟!.
هذه علامات ثلاثة فقط باعثة على قدر قليل من أجواء الارتياح، وهي علامات في القلب من اهتمامات الإخوان المسلمين المعرفية والتربوية، والمثير للعجب والدهشة غيابها وعدم حضورها في هذه المرحلة العاصفة!!.
(2) الببليوجرافيا حاكمة!
إنني على يقين أن مراجعة الببليوجرافيا، أو المنجز المكتوب في ميادين الإبداع الأدبي، والنقد الأدبي ستقود إلى بيان تهافت هجوم الجماعات غير الإسلامية على الإخوان المسلمين من بوابة الأدب.وكل الذي أرجوه في هذا السياق ألا يدفع في وجهي بما لا يصح في ميدان المناقشة العلمية؛ ذلك أنني أسعى إلى الحق الذي يقود إلى إنصاف الإخوان المسلمين بفضح هذا الباب المفتوح للهجوم عليهم باسم عدم تصالحهم مع الأدب أو الإبداع.
وسأكتفي هنا برصد رءوس أقلام، أحسب أنها أدلة كافية في هذا السياق:
أولاً إن مراجعة قوائم الدراسات النقدية التي قامت حول الأدب المصري المعاصر تكشف عن إسهام واضح لأساتذة الأدب والنقد المنتمين للحركة الإسلامية، ولا سيما الإخوان المسلمون في الأكاديميات المصرية والعربية جميعًا.
وإذا كانت التيارات غير الإسلامية ترى في عناية سيد قطب المبكرة بنجيب محفوظ، والتبشير بمنجزه الروائي، وتشجيعه في النصف الأول من القرن الماضي أنها عناية لا شاهد فيها؛ لأنها صدرت عنه قبل انتمائه للإخوان المسلمين، وبعيدًا عن مقامات اللجاج والجدل العقيم، فإن الإخوان تعيينًا عرفوا قيمة المنجز الأدبي لمصر المعاصرة من خلال ما اضطلع به كثير من دارسي الأدب والنقد من أبناء هذه الجماعة العريقة، وليس أدل في هذا السياق من دراسة جابر قميحة عن أمل دنقل، ودراسة وجيه يعقوب عن جمال الغيطاني.
وهذان المثالان مجرد هامش خاطف في هذا السياق دال على أن الحركة العلمية في الداخل الإخواني في مجال الأدب والنقد كانت حركة وطنية منتمية قرأت الإبداع المصري من غير عنصرية، وهذا الأمر الذي ما زال بعيدًا عن الحركة العلمية في مجال الأدب والنقد في التيار الليبرالي واليساري والعلماني.
ثانيًا: ثم إن مراجعة المنجز الإبداعي للتيار الإسلامي ولا سيما الإخوان يشهد بنبوغ عدد غير قليل من الأسماء صدرتها الجماعة لتاريخ الحركة الإبداعية لتاريخ الأدب المصري المعاصر، وهو الأمر الذي يتسع بصورة أكبر إذا فحصنا الإسهام الإبداعي للإخوان المسلمين بما أنهم تيار جارف متغلغل في العمق المصري.
وليس يصح في هذا السياق إلا التمثيل، ولا يصح كذلك أن يشغب على هذا الطرح بما دأبت التيارات المخالفة للإخوان على إثارته.
إنني أعتقد أن التيار الإسلامي المصري أسهم بنصيب وافر في قوائم المبدعين المعاصرين، من سيد قطب، ونجيب الكيلاني، ويوسف القرضاوي، وأحمد حسن الباقوري، وسعد مصلوح، وجابر قميحة، وعصام الغزالي، وهو جيل متقدم بشكل ما، يضاف إليهم عدد غير قليل من المبدعين المعاصرين من جيل الشباب من مثل: وحيد الدهشان، والقاضي عصام عبد الحميد، وناصر صلاح، ومحمد جودة، وأحمد حسن، والكاتب المسرحي زكى خلفة، والكاتب المسرحي خالد إبراهيم، والشاعر يوسف أبو القاسم الشريف، وغيرهم.
ثالثًا: ومن وجهة ظاهرة فقد اعتنت أدبياتهم السيارة، فعرف الأدب طريقه إلى النشر في صحافتهم الورقية والضوئية، فظهر الشعر في مجلات النذير، والدعوة والإخوان المسلمين، وآفاق عربية، والأسرة العربية، وجريدة حزب "الحرية والعدالة"، وموقع (إخوان أون لاين).
واتسع أفقها االنقدي فبشرت بعدد كبير من الأدباء الشبان، وأسهمت في صناعة نجومية عدد كبير من أمثال: أمين الديب، وأحمد بخيت، وأحمد حسن، وياسر أنور، وغيرهم.
وهو الأمر الذي يعنى أن الإخوان المسلمين بما تطرحه من مشروع نهضوي تقدم علامات مضيئة تبرهن على وعيها بإسهام الأدب في تعميق الوعي العام.
(3) من زينب إلى عزازيل: رحلة تقدير الإخوان للأدب المصري المعاصر:
إن جماعة الإخوان المسلمين تملك رصيدًا ظاهرًا في تقدير الأدب المصري المعاصر، توزعت علاماته على الدراسات النقدية والعلمية للأجناس الأدبية المختلفة، وهو ما يمكن أن يضطلع به الدارسون في تخصص المكتبات والببليوجرافيا للكشف عن وزنه وحجمه.وطالت هذه العلامات التعاطي مع النماذج الأدبية الرفيعة فنيا، وعرفت طريقها إلى الذائق الإخوانية على امتداد عريض استمر من زينب لمحمد حسين هيكل إلى عزازيل ليوسف زيدان.
وامتد تبشير الجماعة بالأصوات الإبداعية الشابة، ونشر أدبياتها الصحفية إبداعات كثيرة بالفصحى والعامية.
(4) نجيب محفوظ في القلب من دائرة اهتمام الإخوان:
وليس يصح أن يقرأ هذا العنوان الجانبي بنظرة الريبة أو التوجس؛ ذلك أن نجيب محفوظ يتمتع بقدر ظاهر من العناية والتقدير في دراسته ونقده، والحفاوة بمنجزه الإبداعي في القصة والراوية والريادة.إن الإخوان يرون في نجيب محفوظ روائيًّا عملاقًا، بمعايير الفنية، وتضمنات بناء الرواية، ويرونه عملاقًا بمعيار الموضوع، إذ نرى نجاحاته المتواصلة في خدمة الوعي القومي المصري، وقضيته الوطنية العادلة في مواجهة الاحتلال، وتعريته الظاهرة للنماذج الإنسانية المنحطة في توظيف إبداعي يستثمر بلاغة القبح، وجماليات الرذيلة.. إن أحدا لا يستطيع أن ينسى الروح المتعاطفة مع فهمي الشهيد في مواجهة بطش الاحتلال، ولا يستطيع أحد أن يغض الطرف عن الصورة الإبداعية المدهشة التي أظهرت دناءة بطل القاهرة الجديدة، وهو يعري ويفضح انحطاطه الأخلاقي!.
وهذه نقطة جوهرية نستطيع أن نقرر مطمئنين أن كثيرًا مما يظهر الأعمال الإبداعية لا يواجه بالرفض؛ لأنه يظل تقاليد فنية في الوعي العام.
إنني على يقين تام بأن العناصر الإسلامية في إبداع نجيب محفوظ طاغية تنسرب في مفاصل أعماله جميعًا ابتداء من الموضوع الكلي والجزئي، مرورًا بالتقنيات السردية واللغة، وتوظيف الشخصيات اتراثية الإسلامية، والتناص مع النصوص الإسلامية، واعتماده البناء الفني والدرامي في أعماله.
إنني أستطيع أن أقرر أن نجيب محفوظ واحد من أقدر من مهد الطريق بين يدي نجاحات الحركة الإسلامية، بما كشف في أعماله عن العمق الإسلامي والقومي الذي يسكن شخصياته وموضوعاته.
ولعله من المناسب جدًّا أن أنقل هنا اعتراف واحد من ألمع الروائيين الإخوان ذي المنزلة العالمية بأنه من تلامذة نجيب محفوظ، مما يدل على ذلك إلا تقدير الذي يسكن قلوب المبدعين من الإخوان للأستاذ نجيب محفوظ، يقول نجيب الكيلاني في مذكراته (2/311): "في أحد أيام الجمع توكلت على الله وقلت لنفسي: لا أذهب إلى ندوة نجيب محفوظ.. كانت مواجهة الأستاذ نجيب محفوظ مباشرة، لماذا؟ لأنه بمرور الوقت كلفني الأستاذ نجيب بقراءة الكتب التي ترد إليه وإلى الندوة من المؤلفين؛ كي نناقش منها في الجلسة القادمة، فكنت أقرأ الكتاب المختار، قصصا أو رواية أو غيرها، ثم أطرح موجزًا منها في الجلسة وأجيب على الاستفسارات التي توجه إلى.. أصبحت سكرتير الندوة.. (وقد) بقيت ندوة نجيب عميقة الأثر في نفسي والحق أن تقديري لنجيب محفوظ.. تقدير لا يمحى".
هذا صوت معبر جدًّا، ومهم جدًّا لا يصح التغافل عنه اليوم، وهو الصوت الذي انسرب للإخوان المسلمين من خلال صوت واحد من أشهر المبتدعين في صفوفهم.
إن الصمت عن ذلك الذي سرت بعض ملامحه أمر مخيف؛ لأنه وفي يسر شديد ربما يفتح الباب أمام فتنة تنال من سمعة جماعة شريفة إلى أبعد حد بمعيار قبولها للإبداع الأدبي، وإسهامها في تغذية شجرته المثمرة.
---------
* كلية الآداب- جامعة المنوفية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق